نظرة، لمسة، كلمة

TT

كنا أربعة أشخاص، ثلاثة رجال وامرأة (تقريباً)، متحلّقين حول طاولة عليها بعض المكسّرات والزيتون ومكعبات صغيرة من الجبن، وطبق كبير مليء بالخس والجزر والخيار والفلفل الرومي الذي لا أستسيغه، كانوا هم يناقشون ويتجادلون، بينما أنا كنت شبه صامت، ولا يتحرك بي غير فمي، لكن دون كلام.

كان الموضوع الذي يثيرونه من أسخف المواضيع التي لا تهمّني ولا أُلقي لها بالاً، وهو: العلاقة بين الرجل والمرأة وكيف تكون؟!

بالنسبة لي العلاقة تكون كيف ما تكون، وعلينا ألاّ نتعب أنفسنا في قولبتها، على أية حال قد يكون في رأيي هذا شيء من اللهجة البدوية (الفنتازيّة) ـ إن جاز التعبير ـ ، لكنه رأي احتفظ به لنفسي ولا أعمّمه إلاّ على مَن يستحقه.

المهم أن تلك المرأة زوجة لأحد الرجلين المتحفّزين، والوحيد في ذلك المجلس الصغير الذي كان يضع رِجلاً فوق رجل، هو أنا ولا فخر.

لفت نظري أن المرأة قالت بصوت يشبه الفحيح: إن المرأة لا تحتاج في حياتها إلاّ لثلاثة أمور، هي: النظرة، واللمسة، والكلمة، عندما سمعتها تنطق تلك الكلمات الخطيرة، تحركت أذناي دفعة واحدة ناحية الشمال، لأنها كانت تجلس على يساري، ويا ليتها عندما قالت تلك الكلمات سكتت، لكنها واصلت كلامها قائلة: إن المرأة تشبه الكلب عندما يجلس عند قدمي الرجل انتظاراً لتلك الأمور الثلاثة.. وفجأة عادت أذناي إلى مكانهما الطبيعي وازداد إشفاقي على تلك المرأة.. فواجهها زوجها بكلام (أسخم) من كلامها، وقال لها محتدّاً، بالله عليك كيف تريدين أن ينظر إليك مَن يشاهدك أكثر من خمس عشرة سنة متواصلة، حتى في المنام تطلعين عليه ولا تتركينه؟!، قالت: أريد فقط نظرة حنان من عين دافئة لا من عين باردة كعين السمكة، يا أخي من الممكن استثمار جمال المرأة وجاذبيتها بالاهتمام بها، فردّ عليها الزوج بتبرّم واضح: هذا إذا كان هناك جمال، فسألته زوجته وكأنها تصفعه: ماذا تقصد؟!

أخيراً تدخل الرجل الثاني وقال مخاطباً رفيقه: المرأة فعلاً تحتاج إلى هذا القدر من التعب والجهد، فالكلمة الحلوة لها وقع السحر في نفس المرأة، وإنني استحلفك: هل امتدحت اليوم ذوق زوجتك في لباسها؟! وقاطعته الزوجة قائلة: إنه حتى لم يعلّق عليه بأية كلمة، بل إنني أشك أنه نظر إليه أصلاً، وأسهل للمرأة أن ينتقدها زوجها على ملابسها بغضب، من أن يتجاهلها ولا حتى بملاحظة، ويذهب (يسحبل) أقدامه كالتيس الذي أضاع طريقه. لوى الزوج بوزه أكثر مما هو ملوي خِلقة، وأخذ ينظر في ساعته ويتأفف، وفجأة رأيت أصابع زوجته وهي تتصلّب، وظهرت أسنانها على حقيقتها لأنني أجزم أنها قد وضعت عليها طبقة ناصعة البياض، بدأ بعضها يتقشّر، وقالت له وقد استبدّ بها التحدي: على إيش تتأفف، هاه، قل لي؟! على إيش؟!. عندها كان لا بدّ لي وأن أتدخل، لأنني لا أريد أن أكون ضمن ميدان المعركة، فالزوجة منظرها (شبه إرهابية)، والزوج منظره كذلك (قتال قتلا)، فقلت لهم على طريقة فيصل القاسم: يا جماعة، يا جماعة، فضّونا الله يرضى عليكم من هذه السيرة.. وقلت للزوج: يا فلان من شان خاطري قوم بوس راس مرَتك، فقام مترنحاً وقبّله وكأنه ينطحه، فيما أزاحته زوجته بعنف، لأنه خرّب تسريحتها، قائلة له: روح بلا (أرف) ـ أي (قرف).

[email protected]