خطة أولمرت لتفكيك «القنبلة الديمغرافية»

TT

إذا كانت إسرائيل تملك «القنبلة النووية»، وترى فيها، وفي منع العرب من امتلاكها، حصنها الحصين، والسلاح الأكفأ من سواه في درء مخاطر محتملة عن أمنها أو وجودها القومي، فإن الفلسطينيين يملكون ما يمكن تسميته «القنبلة المنوية»، التي يدعوها الإسرائيليون «القنبلة الديمغرافية»، فبعد أربع سنوات قد يتساوى عدد الفلسطينيين مع عدد اليهود في أرض فلسطين التاريخية، أي بين النهر والبحر. عدد الفلسطينيين الآن في داخل إسرائيل، والذين يسمون «عرب إسرائيل»، 1.13 مليون نسمة. وعددهم في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية 3.88 مليون نسمة. وعددهم في الشتات يزيد عن 5 ملايين نسمة. ومع حلول عام 2010، يصبح عدد الفلسطينيين ما بين النهر والبحر 6 ملايين نسمة، وعدد اليهود 6 ملايين نسمة أيضا.

ولكم أن تتصوروا النتائج والعواقب المترتبة على التطورات الثلاثة المحتملة الآتية: قيام دولة قومية للفلسطينيين مستقلة ذات سيادة، ويشمل إقليمها الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران 1967، وإقرار هذه الدولة، مع المجتمع الدولي، بحق كل لاجئ فلسطيني في أن يكون مواطنا فيها يتمتع بكل حقوق المواطنة ولو ظل مقيما في خارجها، أو يتمتع بجنسية أخرى، ونجاح «عرب إسرائيل» في إحراز المساواة الكاملة في حقوق المواطنة مع اليهود.

لكم أن تتصوروا تلك النتائج والعواقب حتى في حال حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بما يتفق مع «رسالة الضمانات» التي تسلمها شارون من بوش، والتي يفكِّر أولمرت في إدخال تعديلات عليها، ففي هذه الرسالة التزمت الولايات المتحدة حلا لمشكلة اللاجئين يقوم على ركنين: منع عودتهم إلى إسرائيل، وجعل الدولة الفلسطينية المقبلة مكانا يمارسون فيه حقهم في العودة.

الحقائق والاحتمالات الديمغرافية تلك ما زالت تستبد بالتفكير السياسي والاستراتيجي الإسرائيلي، فـ«القنبلة الديمغرافية» الفلسطينية كانت كامنة في «خطة اولمرت»، التي بموجبها ينبغي لإسرائيل أن تبتكر من الحلول ما يسمح لها بجعل «يهوديتها» و«ديمقراطيتها» بمنأى عن خطر هذه القنبلة.

وأولمرت يفهم «الديمقراطية» في إسرائيل على أنها امتداد طبيعي وحتمي لوجود وبقاء أكثرية ديمغرافية يهودية بين مواطنيها. ويفهم تلك الأكثرية على أنها الوجه الآخر لـ«الانفصال» عن الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية. ويفهم هذا الانفصال على أنه «انفصال ديمغرافي» في المقام الأول، فالجزء الأكبر من أراضي الضفة الغربية يجب ضمه إلى إسرائيل بعد تركيز الاستيطان اليهودي فيه.

ومع إمعان النظر في «البعد الديمغرافي ـ الجغرافي» الذي تنطوي عليه «خطة اولمرت» يصبح ممكنا الاستنتاج أن هدفها النهائي هو جعل «الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة» مكانا تُسْتَجْمَع فيه، وتُركَّز، كل عوامل ومقومات «الترحيل الجماعي» للفلسطينيين، أو ما يسمى «الترانسفير الطوعي».

وإذا كان شارون قد تحدث عن «الأمن» سببا لإخراج المستوطنين والجنود الإسرائيليين من قطاع غزة، أي لانفصال إسرائيل عن الفلسطينيين هناك، فإن خليفته اولمرت يتخذ «الحفاظ على غالبية يهودية واضحة وعلى الديمقراطية في إسرائيل» سببا للانفصال عن الفلسطينيين في الضفة الغربية. وقد تظهر، مستقبلا، خطة إسرائيلية ثالثة للانفصال عن «عرب إسرائيل»، فهذا الانفصال يمكن أن يكون هو معنى كلمة «واضحة». وإذا ما حدث «الانفصال الثالث» فإن «محتواه الإقليمي» سيكون مشابها للمحتوى الإقليمي للانفصال الثاني في الضفة الغربية، أي أن «عرب إسرائيل» مع أراضيهم، في معناه الضيق، قد يُضمُّون إلى تلك الدولة الفلسطينية. وليس مستبعَدا أن يكون هذا هو من التعديلات التي ينوي اولمرت إدخالها على «رسالة الضمانات»، فإذا كان شارون قد نجح في الحصول على وعد من الرئيس بوش بمنع عودة اللاجئين، أو لاجئين، إلى إسرائيل، فإن اولمرت قد ينجح في الحصول منه على وعد بتعزيز يهودية إسرائيل من خلال انفصالها عن «عرب إسرائيل».

لقد خلق قيام دولة إسرائيل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ويريد اولمرت للدولة الفلسطينية المقبلة والمنبثقة من خططه الانفصالية أن تكون قوة طرد ونبذ للفلسطينيين من سكانها، فبين النهر والبحر لا مكان إلا لأقلية ديمغرافية فلسطينية يُعاد إنتاجها في استمرار بقوى اقتصادية في المقام الأول.