عن عشق آباد

TT

تلقى «البريد» رسالتين لضيفتين، عتابهما انني استخدمت الاسم الاعجمي لعاصمة توركمنستان، اشغاباد. او اشغباد. فلماذا لم استخدم الأسم «العربي»: عشق اباد؟ فيا مولاي، «عشق اباد»، ليس اسماً عربياً بل نصف عربي. وانما هو فارسي يعني «المدينة التي بناها الحب». ولا علاقة لها بالرومانسية العربية. فهي مدينة حديثة من اواخر القرن التاسع عشر. وليست بخارى اخرى، مثلا. وشهرتها الصناعات وليس جميل وبثينة.

واما اعتماد الاسماء الرسمية للمدن والبلدان، فهذا ليس قراري ولا رغبتي، وانما هو توافق صحافي عالمي. وإلا لرأيتني اقول «البرتقال» بدل البرتغال. وقشتالة بدل كاستيليا. ولزريق بدل رودريك. واشبيلية بدل سيفيليا. وقد اعترض بعض القراء عندما عرّبت اسم رئيس الكونغو السابق لوران كابيلا الى لوران «قبيلة»، لان هذا هو اصل الاسم. وهو مشتق من السواحيلية، المشتقة في معظمها من العربية، وقد اطلعت على المشترك بين العربية والسواحيلية في اول رحلة لي الى افريقيا، او ايفريقية كما كتبها العرب الاولون. وكانوا في البداية يقصدون بها تونس. ومن ثم عرفوا معظم القارة بالسودان وليس فقط سودان اليوم.

ظن كثيرون ان الاندلس كلمة عربية، لكنها في الحقيقة الاسم القوطي لتلك البلدان. ويدافع عدد من الزملاء الناشئين عن عروبة «الاسم» وهو ليس عربيا، مع ان اسماء مئات الاماكن في الاندلس عربية الاصل. ويتعين علينا في السفر والقواميس والخرائط ان نستخدم اللفظ الاسباني لتلك المدن. ولا حول ولا قوة.

ومن كان مثلي تشرّف بصداقة الشاعر عبد الوهاب البياتي لسنوات طويلة، لا بدّ له ان يعرف الفارق بين عشق اباد واشغباد. فقد كان البياتي اهم الاصول التركمانية في الشعر العربي المعاصر. وكان له هوى وحنين وانسحار ببلد الجذور. وحين فرّ من العراق الى الجمهوريات السوفياتية، خطر له الذهاب الى ارض اجداده. لكن تحدي البياتي كان في كونه احد شعراء العرب لا شعراء توركمنستان! والى فترة كان يريد ان يكون احد شعراء الاندلس. لكنه عندما وصل الى مدريد للإقامة والعمل كان العمر قد اتعبه والمنافي الصعبة قد انهكته. ولو وصلها شاباً كما جاءها نزار قباني من قبل، لكانت قصائده امتلأت بأريج الاندلس وضفائر الاندلسيات. لقد وصل متأخراً كالعادة الى القطارات التي نقلته في صعوبات الحياة. ولذلك ظل شعره مريراً وحاداً وساخراً ومناقراً. وكذلك طبعه وحزنه ونقمته.