حماس : ترمومتر التخلف العربي !

TT

من وزراء عرب يرفضون مقابلة نظرائهم الفلسطينيين بمجرد أن العمة أمريكا لم يعجبها خيار الشعب الفلسطيني، إلى وزراء عرب آخرين أحسن حالا من الفئة الأولى يتحسسون من حولهم وهم يقابلون الوزراء الفلسطينيين ويتمنون لحظتها لو لم يوجد إعلام ولا صحف ولا فضائيات ويتلفتون يمنة ويسرة قبل السلام على زملائهم الفلسطينيين وكأنهم يتأهبون لتسلم كمية من الكوكايين من مروجي مخدرات، إلى دول عربية ترفض مد يد المساعدة لشعب فلسطيني أبي يتعرض لحصار سياسي واقتصادي ظالم فقط لأن أمريكا تصر على معاقبة شعب بأكمله على اختياره الديمقراطي، إلى دول تحيك مؤامرات قذرة حول دعوى تهريب الحركة الفلسطينية المنتصرة أسلحة بدعوى سخيفة غبية وهي القيام بتفجيرات لم تقم بها حركة حماس يوم طردت تلك الحكومة قيادتها، فكيف تقوم بهذه التفجيرات في وقت تمارس فيه الآن لغة التهدئة حتى مع عدوتها الإسرائيلية اللدودة ؟ إلى شعوب عربية مقهورة تراقبها حكوماتها وتتابع تحركاتها المالية حتى لا تصل إلى الشعب الفلسطيني المقهور، حقا جسد عربي مريض متهالك بانت أعراضه المرضية أكثر بعد أن وضع في فمه ترمومتر الحكومة الفلسطينية.

حتى الإعلام العربي في الغالب الأعم، المستقل منه والحكومي، اظهر ترمومتر (حماس) أعراضه المرضية في تناول الملف الفلسطيني، فبعض وسائل إعلامنا العربي مثلا يردد بغباء وببغاوية الوصف الذي يكرره رموز الحكومة الأمريكية، وعلى رأسهم الوزيرة الناقمة كوندليزا رايس، حين يصفون الحكومة الفلسطينية بـ (حكومة حماس) ووزير خارجية حماس، ووزير داخلية حماس، مع أنها حكومة فلسطينية منتخبة من الشعب الفلسطيني إذ لا يعقل أن نسبة الـ 78% الذين فازت حماس بأصواتهم كانوا (حمساويين)!! وربما قال بعضكم إن هذا الوصف طبيعي للفصيل الذي فاز بنتائج الانتخابات فسيطر على كل الحقائب الوزارية، فإذا سلمنا جدلا بهذا المنطق، فلماذا لم نسمع بمصطلح (حكومة فتح) حين كانت تحكم (فتح) بنسب انتخابية اقل وهي ذات قاعدة شعبية أقل، كما أنها هي الأخرى كانت تسيطر على كل المناصب الوزارية، وبقي وصف الحكومة الفلسطينية حيا حتى فازت حماس؟ ولماذا لا نسمع بوصف (الحكومة البعثية) في سوريا إلا نادرا ويظل وصف (الحكومة السورية) هو السائد؟، ومع أن الحزب الوطني المصري جاثم على صدور المصريين باسم الحكومة المصرية إلا إننا لا نسمع بحكومة الحزب الوطني، إلا حركة حماس حين فازت بالتمثيل الشعبي الكبير تظل (حكومة حماس) وليس (الحكومة الفلسطينية)، هذه الأوصاف الحصرية ما جاءت لمكايدة ومناكفة فصيل فلسطيني محدد بل لكي تعبِّد أمريكا ـ والببغاوات العربية خلفها ـ الطريق لحصار الشعب الفلسطيني وتجويعه ومعاقبته والتنكيد عليه تحت شعار التضييق على (حكومة حماس).

ولو بحثت عن أسباب هذه المواقف العربية المرضية المتخاذلة المتخلفة التي عراها (ترمومتر حماس) وحاولت أن تشرق في التحليل أو تغرب، فإن (العلة) تظل أمريكا، العرب من بين أجناس البشر الذين يعوذون بالأمريكيين فزادوهم رهقا، نحن العرب الجنس الوحيد على وجه الكرة الأرضية الأكثر تعلقا بأمريكا والأكثر استجداء لها والأشد تشبثا بأثوابها والأكثر تقبيلا لأياديها، والأكثر انبطاحا لها والأكثر في استخدام التوسل والوسيلة معها، وفي الوقت ذاته نحن العرب أيضا الأكثر استقبالا للركل الأمريكي والخذلان الأمريكي، والتهزيء الأمريكي والبصق الأمريكي على واقعنا المتخلف.

كنت أنظر إلى وقت قريب إلى أن المجاملة العربية لأمريكا نوع من الواقعية التي تفرضها المرحلة، كونها هي التي تسيدت العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وأن البراغماتية هي وصفة العقلاء في التعامل مع السياسة الأمريكية، كل هذا سيظل صحيحا لو أن أمريكا بالمقابل حافظت على شيء من الكرامة العربية، لكن بعد الغطرسة الأمريكية في تعاملها مع انتصار حماس وتضييقها على الحكومة الفلسطينية المنتخبة وتجويعها للشعب الفلسطيني وفرض الحظر الجائر على الدول العربية وشعوبها من أن تفك عن الفلسطينيين كربتهم، بعد هذا كله صرنا نحن العرب ننتظر (شافيز) عربيا يصرخ بـ (لا) قوية ضد الصلف الأمريكي في منطقتنا العربية، فليس ثمة ما نخسره بعد خسارتنا لكرامتنا وشرفنا، فهل يظهر في العرب (شافيز) آخر غير الحكومة الفلسطينية التي حازت ثقتها (حماس) ؟

[email protected]