تعالوا نتصافح

TT

أخذ يحدثني عن مشكلة البطالة في أفريقيا، والشرق الأوسط تحديداً، وكيف أنها طالت حتى المتعلمين منهم، قلت له اعرف ذلك وما لم يغيروا (فلسفتهم) الحياتية سوف تزداد أكثر، وهذا التغيير الذي أطلبه هو في منتهى السهولة نظرياً، ومنتهى الصعوبة عملياً، وللأسف إنني لا أستطيع أن أخوض أكثر.. غير انه تابع كلامه وكأنه لم يسمع كلامي وقال: الحمد لله فلدي ثلاثة أولاد، علمتهم وجميعهم أصحاب ثقافة عالية، احدهم متخصص بعلم الاجتماع، والثاني بالجغرافيا، والثالث بالمحاماة.. فسألته: وأنت ماذا تعمل؟!، فقال: إنني املك بقالة صغيرة، صحيح أن أرباحها قليلة، ولكنها مستورة والحمد لله، فمن دخلها أستطيع أن أعيل أبنائي الثلاثة وعائلاتهم، وهم جميعاً يسكنون عندي.

قلت له: معنى ذلك انك أنت الوحيد الذي تعمل؟!، قال: نعم، قلت: وأحفادك يذهبون إلى المدارس وأنت الذي تصرف عليهم؟!، قال: نعم، قلت: وبعد سنوات سوف يتخرجون من الجامعات ويجلسون في بيتك مثل آبائهم على أمل أن يجدوا من يوظفهم؟! قال: نعم.

مثل هذا الشخص، أو مثل هذه الأسرة نماذجها كثيرة في البلاد العربية والإسلامية.. إن النسبة المتزايدة للبطالة في هذين العالمين تدعو للعجب والخوف لأنها سوف تأكل الأخضر واليابس دون أي منطق معقول، وقد تحدث، وما زال، وسوف يتحدث عن تلك الظاهرة أو المعضلة المتخصصون إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا، حتى دول الخليج المحسودة ببترولها غزتها البطالة في عقر دارها، ولم تشفع لها ملياراتها بالقضاء عليها.

لست برجل اختصاص أستطيع أن أقدم (روشتة) أو وصفة أو (كبسولة) يبلعها الشعب أو الأمة فتحل مشاكلها، ولكن لدي رؤية بدائية مبنية على الملاحظة والمقارنة والتأمل بحركة التاريخ لا أكثر ولا اقل.. فظهر لي أن ثقافة حب العمل من أساسها لدينا خاطئة، واستخدامنا للدين كمنهج غير مكتمل، صحيح أننا نحب ونغار ونتشبث بديننا ونضحي من اجله، ونعلم كذلك أن ديننا يحثنا على العمل، غير أن التطبيق والممارسة في واد والواقع في واد آخر، مشكلة التعليم الديني من أساسه ـ أي من (الكتاتيب) ـ إلى أرقى الكليات الدينية كلها تتحدث عن المظهر لا الجوهر، والا كيف نفسر ذلك الحماس المنقطع النظير للدين في البلاد الإسلامية، وفيها أكثر الفقر والبطالة والأمراض والمخدرات والعصابات والانتهاكات والسرقات؟!، إذن هناك (خلل) ما، فالدين بريء من كل ما سبق، ولكن المسلمين أنفسهم غير أبرياء من جهلهم بهدف الدين الأساس في هذه الحياة. إن ثقافة حب الحياة، وحب العمل هي التي تنقص الإنسان المسلم، وتجعله يعيش دون أن يدري في هلوسة ودروشة، تجعل عقله غير قادر على استيعاب معطيات العلم، ويده غير مطواعة على التفكيك والتركيب والإبداع.

لا بد من وضع (العربة أمام الحصان)، فتديننا يجب أن يكون حافزاً وليس مثبطاً، هذا أولاً، وثانياً: لا بد من ثورة حقيقية في نخل المناهج واستحداث التخصصات لمخرجات العمل، ومصادقة شعوب العالم اجمع بكل أعراقهم ومعتقداتهم، ووضع أيادينا بأياديهم حيث لا مهرب منهم، ولا مخرج إلاّ بهم.

[email protected]