أزمة حميدة

TT

في الكويت أزمة برلمانية حكومية، الأزمة جديدة ـ قديمة، جديدة من حيث موضوعها، وقديمة من حيث طبيعتها، ففي الديمقراطيات تعتبر الأزمات بين السلطتين مسألة طبيعية، فلا ديمقراطية بدون اختلافات بين السلطتين، ولا حرية دون التعبير عن التعبير الشعبي عن الرأي حول هذا الخلاف.

منذ الاثنين الماضي، جرت أحداث تجري لأول مرة في تاريخ الكويت، وقد لا أبالغ إن قلت في تاريخ المنطقة، فقد اعترض ثلثا النواب (29 نائبا) في مجلس الأمة الكويتي على موافقة الحكومة على طلب تقدم به نواب آخرون بتحويل مشروع قانون حكومي طال انتظاره حول الدوائر الانتخابية إلى المحكمة العليا للنظر في دستوريته. وعبر المعارضون عن اعتراضهم بالخروج من الجلسة. المعارضون رأوا في موافقة الحكومة على طلب التحويل استهتارا بالبرلمان، فكيف توافق الحكومة على التشكيك في دستورية مشروع قانون أتت به قبل يومين؟ ولماذا انتظرت مدة ثلاث سنوات للتحقق من مشروع موجود في الأدراج طيلة هذه المدة؟

من جانبها، قالت الحكومة إن موافقتها على طلب الإحالة إنما جاء تعبيرا عن تعاونها مع كافة الأطراف في المجلس.

خروج النواب من الجلسة رافقه تصفيق حاد من الجمهور الحاشد الحاضر، وهتافات بسقوط الحكومة وتؤيد النواب المنسحبين، وطارت العقل من مقاعد الجمهور إلى القاعة تجاه نواب المعارضة، ورمي العقال كناية في الخليج عن أقصى معاني التقدير والتأييد، وهي بذلك اشبه برفع القبعة كما يقال في الإنجليزية، طارت العقل (بضم العين وتسكين القاف وتعني جمع عقال) فانسحبت الحكومة ورفعت الجلسة على أن تستأنف في اليوم التالي.

خروج الجلسة عن النظام سابقة تحدث للمرة الأولى، فقرر الرئيس أن يمنع الجمهور من الحضور في اليوم التالي كسابقة تحدث للمرة الأولى أيضا، الرئاسة بررت منع الجمهور بضبط النظام، والمعترضون قالوا إن الإنسان لا يقلع عينيه خوفا من الرمد، وبأن مجلس الأمة بيت الشعب لا بيت الرئيس، وبالتالي فليس من حق أحد أن يمنع الشعب من دخول بيته، وتمسكت الرئاسة بموقفها حفاظا على النظام وخوفا من تكرار فوضى الأمس، فصوتت الحكومة (16 وزيرا) والموالون لها من النواب (17 نائبا)، وسط مقاطعة النواب الـ29 ورفضهم الدخول إلى قاعة الجلسة واعتصموا في الخارج مع الجمهور المحتشد. واستمر الحشود بالاعتصام حتى المساء في الساحة المقابلة لمجلس الأمة، والتي أصبحت تعرف بساحة الإرادة، وفي المساء أقام النواب المعترضون ـ أصبحوا يسمون كتلة التغييرـ مهرجانا خطابيا أعلنوا فيه نيتهم استجواب رئيس الوزراء للمرة الأولى، وقد روعي في أسماء المستجوبين التنوع الجغرافي والسياسي.

وتراجعت الحكومة من جانبها وأعلنت استعدادها لسحب طلب الإحالة للمحكمة الدستورية، واستعدادها الاستماع لوجهات النظر المختلفة حول الدوائر وتعديلها في جلسة خاصة تعقد بعد غد الاثنين شريطة سحب المعارضة طلبها استجواب رئيس الوزراء. المعارضة اعتبرت تلك مناورة مكشوفة، وبأن السبيل الوحيد لتجنب الحكومة استجواب رئيسها هو بسحبها طلب الإحالة وعودتها إلى مشروع الخمس دوائر الذي تبنته لجنة وزارية شكلتها الحكومة وأعلنت التزامها بنتائجها.

المراقبون يرون أن الساعات الثماني والأربعين القادمة حاسمة بالنسبة لمسألة الدوائر والتعاون بين السلطتين، فبينما تشكك المعارضة في نوايا الحكومة، وبأنها تحاول شق صفوفها، يرى البعض أن الحكومة ورطت نفسها في هذه الأزمة التي كان يمكن تجاوزها لو تبنت الحكومة مشروعها بالخمس دوائر الذي ترقبه الجميع.

المعارضة تستند إلى شارع شبابي ملتهب من الجنسين، لم تمنعه حرارة الجو، ولا اقتراب الامتحانات الدراسية من الاعتصام المستمر والمطالبة بالخمس دوائر فيما يعرف بالتحرك الشعبي البرتقالي نسبة إلى اللون الغالب في هذه الاعتصامات، والحكومة تمتلك أوراقا عدة للمناورة ستكشفها الساعات المقبلة.