سكرية...

TT

روى صحافي غربي في رسالة حديثة من احدى الدول المغلقة، انه لاحظ على جميع الطاولات في جميع المطاعم التي ذهب اليها، وجود صحن صغير من السكر. وتضع مطاعم الارض على طاولاتها عادة، مملحة ومبهرة، سواء كانت الطاولة مائدة مفروشة بالطعام او خالية. لكن الصحافي تنبه الى ان الطاولات في هذا البلد، او الموائد، قد تخلو من الممالح والمباهر ولا يمكن ان تخلو من سكرية. غير انه لم يعط المسألة اهتماما في اي حال. فالدنيا أذواق. والبلدان ألوان. والمطاعم شي سكر شي ملح، شرط الا يقع الملح في الشاي والسكر في الخل.

قبل سفر الصحافي دعاه صديق الى مطعم معروف في المدينة. تناولا طعاما شهيا، ثم جاء وقت تنظيف الطاولة، فأزاح النادل جميع الصحون والممالح والمبهرات والسكرية. لكنه عاد مسرعا بعد قليل وعلى عجل وضع السكرية على الطاولة. وضحك المضيف وضيفه. واعتذر المضيف قائلا: برغم الاموال الطائلة التي صرفناها على مهنة ضبط الانفاس، لا نزال متأخرين فنيا.

في الدول الاكثر تقدما، ادوات التسجيل تحت الطاولة لا فوقها. ومنذ حوالي عامين كانت سيدة مع اصدقائها في مطعم شهير يطل على البحر. ويبدو انها استأنست بمشهد الزرقتين، السماء والمياه، فأخذت حريتها في الحديث عن رئيس الدولة السعيدة. وعندما عادت الى منزلها وفتحت باب المنزل سمعت الهاتف يرن، فأسرعت ترفع السماعة. وقال المتصل وهو يتحدث من امعائه: هالمرة ماشي الحال. المرة المقبلة ذنبك على جنبك. وتفقدت السيدة جنبها!

ومن أطرف ما سمعت في هذا الباب حكاية كان يرويها الزعيم السوري الاشتراكي أكرم الحوراني. وكان الحوراني يوما في الحكم ويوما في المعارضة ويوما في السجن. اي ان ثلثي وقته (على اقل تقدير) كان خاضعا للمراقبة. وقد امضى الحوراني سنواته الاخيرة لاجئا سياسيا في بيروت ومقهاها السياسي الذي ضم ذات مرة صفا طويلا من ألمع الاسماء وأشهرها. وروى انه ذات مرحلة كُلف رجل مخابرات متعثر مراقبة تحركاته. وكان هذا يتنقل على دراجة نارية عتيقة. فإذا أصابها عطل أوقف الحوراني سيارته ونزل يتفقد الرجل قائلا: «خذ وقتك. سوف ابطئ لكي لا تفوتك مشاهدتي. خذ وقتك». في تلك الايام لم تكن التكنولوجيا قد وصلت الى السكرية. يا حليلك! على ما يقول الكويتيون.