الشرعية الدولية أساس للمفاوضات ووقف العنف في الشرق الأوسط

TT

رحبت الخارجية الاميركية على لسان مسؤول رفض الكشف عن اسمه، باقتراح الرئيس ياسر عرفات بأن يوجه كل من الرئيس عرفات ورئيس وزراء اسرائيل ارييل شارون، نداء عبر شاشات التلفزيون لوقف العنف.

لكن المسؤول الاميركي اتبع هذا الترحيب بإبداء الرغبة في التحقيق بدقة عن ماهية اقتراح الرئيس عرفات ومضمونه، لأنه، اي المسؤول الاميركي، لا يظن ان توجيه النداء هو ما كل ما يتضمنه اقتراح الرئيس عرفات.

وكان شارون رئيس وزراء اسرائيل قد رفض اقتراح الرئيس عرفات الذي حمله له عضو الكونجرس الاميركي جيم كولبي، الذي اعلن بدوره انه فشل في التوصل لاتفاق حول هذا الاقتراح.

ومن الطبيعي ان يقوم كولبي، بابلاغ وزارة الخارجية الاميركية حول فحوى اقتراح الرئيس عرفات، الذي رفضه شارون.

في الوقت ذاته، اتخذ شارون قرارا هو ومجلسه الوزاري المصغر، بالاستمرار في اطلاق النار ودخول مناطق تخضع للسلطة الفلسطينية لملاحقة مطلقي النار، وكرر كل الادعاءات التي يطلقها كل يوم لتحميل الرئيس عرفات والسلطة الفلسطينية مسؤولية استمرار وتصاعد العنف.

ماذا اقترح الرئيس عرفات ارتباطا بفكرة توجيه نداء متزامن لوقف العنف؟

الاعتداءات الاسرائيلية بدأت منذ سبتمبر (ايلول) عام 2000، والسبب سياسي وليس امنيا، اذ ان اسرائيل قررت اللجوء لاستخدام القوة لاجبار الفلسطينيين على قبول تصورها للحل النهائي وتخفيض مستوى توقعاتهم واهدافهم. وجاء قرار اسرائيل بعد ان اصبح واضحا كل الوضوح ان الفلسطينيين بقيادة الرئيس عرفات لن يقبلوا اي مشروع سياسي لا يستند لتطبيق القرار 242، واي حل لا ينهي الاحتلال حتى خطوط الرابع من حزيران، بما في ذلك القدس الشرقية، لتقام على الارض الفلسطينية التي احتلتها اسرائيل عام 1967 دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة.

واضطر الفلسطينيون للدفاع عن انفسهم في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية التي غطت كل المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية. وجاء دفاعهم عن النفس دفاعا عن اهدافهم السياسية، وهذا منطقي جدا. فاذا كان الاعتداء الاسرائيلي يستهدف خفض مستوى التوقعات الفلسطينية فان دفاعهم عن النفس هو اعلان عن تمسكهم بأهدافهم ورفض الخضوع والانصياع للتصور الاسرائيلي حول الحل النهائي، وتحول المزاج العام في المجتمع الاسرائيلي نحو التطرف بسبب رفض اسرائيل الانسحاب من اراضي عام 1967، والامتيازات التي يتمتع بها الاسرائيليون على حساب قهر واحتلال فلسطين واستغلال ثرواتها وقواها البشرية. وتبرز هنا مدينة القدس كبند رئيسي.

فالاسرائيليون يبنون احلاما حول استيلائهم بشكل كامل على القدس الشرقية وتهويدها، وتحويل الحرم القدسي الشريف الى مقر للهيكل الذي يتحدثون عنه. ونتيجة لهذا المزاج العام في الشارع الاسرائيلي، فاز شارون في انتخابات رئاسة الوزراء الاسرائيلية.

ولا شك ان الاسرائيليين صوتوا لشارون، ليس لأسباب امنية بل لاسباب سياسية، لقد صوتوا لبرنامجه السياسي الذي يتضمن عدم الانسحاب من 48 في المائة من الاراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، والإبقاء على المستوطنات والمستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعلى تهويد القدس الشرقية وابقائها تحت الاحتلال الاسرائيلي. وجاء التصعيد العسكري الاسرائيلي وارتكاب الجرائم الجماعية ضد الشعب الفلسطيني متلازما مع هذا البرنامج السياسي. وليس صحيحا انه الرد الاسرائيلي على تصعيد فلسطيني.

يظن شارون وحكومته ان الفلسطينيين سيقبلون بما يعرضه عليهم تحت وطأة التصعيد الوحشي للاعتداءات على الشعب الفلسطيني.

وكان طبيعيا ان يواجه الفلسطينيون التصعيد العدواني الاسرائيلي بالاستماتة في الدفاع عن النفس، ليس من الزاوية العسكرية الامنية فقط، بل لأن كما سبق ان قلنا، الدفاع عن النفس هو دفاع عن الاهداف السياسية.

ورفض الانصياع لما تحاول الحكومة الاسرائيلية فرضه بقوة الدبابات والطائرات والصواريخ والرصاص والحصار الاقتصادي الهمجي. لذلك يصر ارييل شارون على وقف العنف قبل ان تعود اسرائيل للمفاوضات. أي مفاضات هذه؟

يقصد بها شارون، التفاوض حول برنامجه السياسي الذي يرفض الانسحاب عن 48 في المائة من الاراضي الفلسطينية، وضم القدس وتهويدها. ولذلك يرفض شارون اقتراح الرئيس عرفات ـ ليس من الزاوية الامنية بل من الزاوية السياسية. والادارة الاميركية الجديدة تقع في خطأ كبير إن هي استسلمت للشرك الاسرائيلي الذي يحاول فصل الموضوع الامني عن الموضوع السياسي. هذا الفصل حاول تحقيقه من قبل ايهود باراك في شرم الشيخ: وكانت محاولة باراك هذه سببا من اسباب تعقيد المباحثات في شرم الشيخ، ولم يتم التوصل للتفاهم الا عندما اقرت الاطراف المشاركة وعلى رأسها الولايات المتحدة (التي مثلها في شرم الشيخ الرئيس كلينتون) والاتحاد الاوروبي (الذي مثله سولانا) والامم المتحدة (التي مثلها امينها العام كوفي أنان)، وأقرت ما أصر عليه الرئيس عرفات، وهو ان المفاوضات ستتابع على اساس قرار مجلس الامن 242، اي انسحاب اسرائيل من كافة الاراضي الفلسطينية حتى خطوط الرابع من حزيران. هذا هو بيت القصيد وليس الموضوع الامني.

الاعتداءات العسكرية الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني والحصار الاقتصادي المفروض عليه هي نتيجة للصراع السياسي وليس سببا للصراع. ودفاع الفلسطينيين عن انفسهم هو نتيجة لمحاولة اسرائيل فرض مشروعها السياسي عليهم وليس سببا.

استنادا لهذه الرؤية الواقعية والمنطقية جاء اقتراح الرئيس عرفات لتوجيه نداء متزامن لوقف العنف (والذي حمله الاميركي كولبي)، مرتبطا بالمضمون السياسي، وليس اقتراحا أمنيا مفصولا بشكل ميكانيكي عن مضمون الصراع السياسي. لقد ارتبط الاقتراح بتوجيه نداء متزامن (من قبل شارون والرئيس عرفات) بعودة المفاوضات على اساس القرار 242، ومن حيث توقفت المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية في عهد رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك.

وهذا الربط كان السبب الرئيسي الذي جعل شارون يرفض الاقتراح فورا. ليس الربط الشكلي هو المقصود هنا بل الربط بين وقف العنف والعودة للمفاوضات بمضمون محدد وهو القرار 242. ورفض شارون للاقتراح هو رفضه لتطبيق القرار 242 والتفاوض استنادا له. لان برنامجه ينص على ضم 48 في المائة من مساحة الارض الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية، بينما القرار 242 ينص على الانسحاب الاسرائيلي حتى خطوط الرابع من حزيران عام 1967.

امام هذا الموقف الاسرائيلي الذي يتمسك به شارون وحكومته تتحدد مسؤولية الولايات المتحدة واوروبا وروسيا والصين وغيرها من الدول، التي ساهمت في الجهود الدولية لبدء عملية السلام في الشرق الاوسط ودفعها للامام. والمسؤولية التي نتحدث عنها ليست مسؤولية المجتمع الدولي في حماية الشعب الفلسطيني من الاعتداءات الوحشية الاسرائيلية، وفك الحصار الاقتصادي عنه فقط، بل التمسك بالتعهدات والالتزامات الدولية التي تنص على ان قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن هي الاساس الذي تستند اليه عملية السلام في الشرق الأوسط.

فاذا دققت هذه الدول في الامر، ستجد إن تبنت الاساس السياسي لاستمرار المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين هو المدخل لانهاء العنف وليس انهاء العنف هو المدخل للمفاوضات.

وطبيعي ان نجد ان الترابط الجدلي بين الموضوعين الامني والسياسي موجود بكلام آخر، نقول ان اقناع الحكومة الاسرائيلية بالالتزام بأسس عملية السلام وبالاتفاقات المعقودة وبالعودة للتفاوض، من حيث انتهت المفاوضات مع الحكومة السابقة، سوف يعني ان سبب الاعتداءات العسكرية على الشعب الفلسطيني (لاجباره على قبول اساس مختلف للتفاوض هو برنامج شارون) هذا السبب يكون قد زال، واذا توقفت الاعتداءات المرتبطة بالبرنامج السياسي فلا داعي لوجود حركة شعبية فلسطينية لمواجهة هذه الاعتداءات.

المطلوب من الادارة الاميركية تحديدا ان تبدأ فورا بزج ثقلها للوصول الى صفقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين لوقف العنف والعودة للمفاوضات على اساس القرار 242، من حيث انتهت مع حكومة باراك، هذا هو الجوهر. وهذا هو المدخل للحل. المنطقة بأسرها تضطرب وتتململ ولا بد للادارة الاميركية من التدخل حتى لا يفسر شارون، عدم تحرك الادارة الاميركية ضوءا اخضر لإفلات جنون البطش العسكري الاسرائيلي من عقاله.