البارود والنار طريق شارون لحل انتقالي طويل الأمد

TT

تصاعد عمليات القمع الفاشي الاسرائيلي، وارتفاع منسوب القصف اليومي للمواقع المدنية والبيوت الاهلة بالمواطنين، فضلا عن قصف بعض مراكز السلطة الفلسطينية، يؤشر على تصميم حكومة ائتلاف «العمل ـ الليكود» على المضي قدما بسياسة ونهج فرض «الاملاءات والحلول» بقوة النار والبارود والتملص حتى من تفاهمات شرم الشيخ التي تم التوصل اليها في 7/11/2000 والقاضية بوقف الاحتكاك المسلح، وانسحاب القوات الاسرائيلية من مداخل المدن والبلدات الفلسطينية.

كما يؤشر تصاعد القمع الاسرائيلي واجتياح اجزاء من مخيم خان يونس قبل ايام قليلة، وبوابة صلاح الدين قرب رفح، بمدلولاته السياسية المباشرة على الاستجابة الواسعة التي تبديها حكومة الائتلاف الصهيوني لتيارات التطرف الحزبية والشعبية اليهودية على حد سواء، المعادية لسلام الشرعية الدولىة داخل المجتمع اليهودي على ارض فلسطين.

ومن الجانب الاخر المتعلق بسلوك التيارات السياسية الاسرائيلية خاصة الاحزاب الكبرى منها يظهر تصاعد العنف الاسرائيلي الموجه ضد الشعب الفلسطيني مدى الانتهازية والتواطؤ الواقع بين شارون وشمعون بيريس، ودعاة السلام من بعض حمائم حزب العمل الاسرائيلي وتحديدا من جناح بيريس، الذين هلل بعضهم للعمليات العسكرية الاسرائيلية ضد البلدات الفلسطينية تحت ذريعة ملاحقة الارهاب الفلسطيني.

ومما لا شك فيه، أن الحالة العربية التي تولدت مع انطلاق شرارات الانتفاضة الفلسطينية، وعقد قمتين عربيتين خلال اقل من نصف عام، ولاول مرة في تاريخ الجامعة العربية، هذه الحالة ازعجت الادارة الامريكية، التي لا تريد موقفا عربيا موحدا يحاصر حكومة شارون، لذلك احجمت الادارة الجمهورية /الامريكية عمليا الى الان عن ممارسة اية ضغوط فعلية على الدولة الاسرائيلية، لوقف عمليات الارهاب والقمع الفاشي الموجه الى صدر الشعب الفلسطيني الاعزل على امتداد الارض الفلسطينية. وكل ما اطلقه كولن باول من تصريحات لم يتعد سوى المساواة بين «الجلاد والضحية» تحت شعار «وقف العنف» ومطالبة الطرفين بالعودة الى طاولة المفاوضات وكأن شيئا لم يقع على امتداد ستة شهور ونيف من عمر انتفاضة الاقصى والاستقلال الفلسطيني.

ومن نافل القول انه من غير الممكن احداث تحول في الموقف الامريكي لجهة الضغط على اسرائيل لدفعها لوقف سياسة العنف والكف عن الاستهتار بقرارات ومرجعية الشرعية الدولية من دون ان تبادر الاطراف العربية نحو اشتقاق سياسة جديدة اعمدتها قرارات القمتين الاخيرتين، والربط بين هذه السياسة في التعاطي مع الادارة الامريكية وبين المصالح المشتركة للاطراف العربية مع واشنطن. بمعنى اخر احلال لغة المصالح المباشرة في التعاطي مع واشنطن لاشعار الاخيرة بأن مصالحها في الشرق الاوسط تتمثل بعلاقات ايجابية مع شعوب المنطقة ووقف سياسة الكيل بمكيالين.

الولايات المتحدة تريد اعادة عقارب الزمن الى الوراء على المسار التفاوضي الفلسطيني ـ الاسرائيلي اي الى ما قبل 28/9/2000 وانطلاق الانتفاضة الفلسطينية، واعادة الطرفين الى طاولة المفاوضات بدون مراجعة الاسباب، والبحث في عوامل الاحتقان التي دفعت نحو هبوب رياح الانتفاضة الفلسطينية، التي سقط من ابناء الشعب الفلسطيي خلالها اكثر من 425 شهيدا، واكثر من 22 الف جريح، فضلا عن الدمار الاقتصادي الهائل بحدود 4.4 مليار دولار حسب المعطيات الفلسطينية و3.3 مليار حسب المعطيات الاسرائيلية المنشورة على صفحات يديعوت احرونوت (2/4/2001)، والخسائر المادية المباشرة، اضافة الى تسوية 5000 دونم من المناطق الزراعية في قطاع غزة من قبل الجيش الاسرائيلي بقصد الدفاع عن المستوطنات هناك واقتلاع 4200 شجرة زيتون في منطقة بيت لحم.

وحتى لا نتكلم او نتحدث بالعموميات، فان حكومة تحالف «شارون ـ بيريس» اي حكومة «الليكود ـ العمل» والادارة الامريكية تريدان اولا وقبل كل شيء اجهاض الانتفاضة سياسيا وعلى ارض الواقع، وتسميم اي حصاد فلسطيني لفعلها على المستوى العربي /الاقليمي والدولي، واغتيال نتائجها السياسية تحت عناوين «وقف العنف» والعودة الى النهج ذاته من المفاوضات المختلة، ما يعني ضمنا تبرئة اسرائيل ووضعها في موقع الدفاع عن النفس.

وشارون بالمحصلة وكما افصح عن هذا باعلانه الاخير موافقته على قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح وعلى مساحة ما يقارب 42 في المائة من اراضي الضفة الغربية بصفقة توقف الانتفاضة يريد عدا عن وقف الانتفاضة او اغتيالها سياسيا، حلا انتقاليا طويل الامد كطريق لحل القضايا الشائكة المعلقة (القدس ـ اللاجئين...) يفتح له المجال لكسب الوقت لاطلاق عمليات مصادرة وتهويد الارض، وتغيير الوقائع الديموغرافية، اضافة لزرع المزيد من التعقيدات في مسار العملية الشائكة اصلا، والتي راوحت وما زالت عند تخوم معينة منذ سقوط نتنياهو وصعود باراك ثم سقوط الاخير وصعود شارون.

وحقيقة الامر، فان تحالف «الليكود ـ العمل» تحالف مستقر ومريح نسبيا لشارون، ويحظى بتغطية برلمانية (72 عضوا من اصل 120) تمكن الاخير من السير ببرنامجه المعلن الى ابعد الحدود، والتناغم مع موجات التطرف التي تتغذى من بحر الخطاب الاعلامي التوتيري لقوى واحزاب اليمين الصهيوني بشقيه العلماني والتوراتي بشأن قضايا وعناصر الحل الدائم مع الطرف الفلسطيني. حتى لو كلف الامر رفع منسوب ارهاب الدولة الاسرائيلي، وتوسيع استخدام قذائف الدبابات وصواريخ الحوامات ضد البلدات والمقرات والمراكز الفلسطينية كما وقع خلال الايام الاخيرة.

وفق هذا، تأتي موجات عنف جيش الاحتلال في سياق سياسة ومعركة «عض الاصابع» وكعامل ضغط رئيسي على السلطة الفلسطينية، بهدف دفعها نحو اطلاق الصراخ، والرضوخ لمنطق شارون بالعمل على لجم حركة الانتفاضة والشارع الفلسطيني، والعودة الى المفاوضات بدون التزامات اسرائيلية مسبقة خاصة بشأن وقف عمليات تهويد ومصادرة الارض، والقبول بمنطق حل انتقالي طويل الامد تحت ذريعة تجاوز قضايا الخلاف الرئيسية مثل قضيتي (القدس واللاجئين) وتركها مرة ثانية لمفاوضات لاحقة لا احد يدري متى تأتي وقد لا تأتي ما دام البيدر الاسرائيلي نتاج تشارك تحالف اكبر كتلتين حزبيتين في اسرائيل «الليكود ـ العمل» ويتقاطع مع كتلة شاس وهي الكتلة الثالثة من حيث عدد اعضائها في الكنيست، فضلا عن زمر صغيرة من الاحزاب الصهيونية التي تنفخ بشكل متواصل بابواق الحقد الاعمى ضد العرب بشكل عام والفلسطينيين على وجه الخصوص.

بهذا المعنى، فان العودة الفلسطينية الى طاولة المفاوضات من دون تغيير قواعد التفاوض السابقة والخروج من نفق المفاوضات الواقعة تحت سقف منطق القوة الاسرائيلي، ودون الاستحضار العملي والفعلي لقرارات المرجعية الدولية، ستكون عودة مأزومة، وعودة الى مربع الصفر، وبالتالي سيتجرع الشعب الفلسطيني كؤوس المرارة من جديد بعد ان نزفت دماؤه طوال نصف عام من انتفاضة الاستقلال والاقصى، وحطت به خواتم الامور بدون ثمار حقيقية، ان لم نقل بأن تضحياته خلال مسيرة انتفاضة الاقصى قد اجهضت.

من هنا، اهمية الحذر الفلسطيني الرسمي، وضرورة العمل نحو الالتفات للبيت الفلسطيني الداخلي واستجماع كل عناصر واوراق القوة، لضمان ادامة واستمرار الكفاح الفلسطيني بكل اشكاله، بما في ذلك العمل الانتفاضي والجماهيري الواسع، والسير نحو الاستمرار لتوليد المناخات والاجواء العربية الاقليمية والدولية التي تقود الى تغيير قواعد التفاوض واشتقاق نهج آخر اعمدته: مفاوضات متوازنة على قاعدة المرجعية الدولية.

* كاتب فلسطيني ـ دمشق