مكانة الضعيف في الاقتصاد الإسلامي

TT

«لا يبيع في سوقنا الا من تفقه بالدين» عمر بن الخطاب حماية الضعيف من القوي احد ابرز المهام المنوطة بنظام الحكم بالاسلام، اذ لا يكاد يخلو خطاب تنصيب اي خليفة من الخلفاء الراشدين عن التأكيد على ذلك، ولقد دشن ذلك الخليفة ابو بكر الصديق يوم بيعته فقال «ان أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وان أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق». ولذا لا يتأسس اقتصاد اسلامي من دون ان يكون هذا المبدأ احد اعمدته او مقوماته. ولقد كان تحريم الربا في الاسلام انطلاقا من هذا المبدأ، فالربا في جوهره استغلال الموسر للمعسر، وهو من الجوانب التي حظيت بهجوم مشدد من القرآن الكريم على يهود العرب، اذ وصف «وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل» و«أعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما». واكد بهذه الآية ان تحريم ذلك قد شرعته الديانات السماوية كلها.

كما ان تحريم الاحتكار في الاسلام كان شكلا من اشكال حماية الضعيف من القوي، فالمحتكر يستخدم قوة اقتنائه للبضاعة وقدرته على التحكم في عرضها بالسوق ليفرض السعر الذي يريد، هذا تعسف بالقوة امام المستهلك المحتاج، ولذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «اهل المدائن هم الجلساء في سبيل الله، فلا تحتكروا عليهم الأقوات، ولا تغلوا عليهم الأسعار». ولم يتوقف الاسلام عند هذا الحد، بل نهى عن بيع السلع او الخدمات في ظل غياب البيانات والمعلومات عن السوق والمستهلك، اذ اعتبر المعلومات قوة يتحكم فيها مالكها امام الضعيف الذي يجهلها. وقد تبدى ذلك واضحا في تحريم تلقي القادمين من البدو او الارياف للتعامل التجاري معهم قبل دخولهم السوق وتعرفهم على اسعاره. كما نهى الاسلام ادعاء المزايدة في الشراء لرفع الاسعار ودفع المتنافسين على الشراء بسعر اعلى وهو ما سمي «المناجشة». ولقد كان ذلك واضحا في قوله صلى الله عليه وسلم «لا يبيع حاضر لباد ودعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض». وقال صلى الله عليه وسلم «لا تلقوا السلع حتى يهبط بها الى الاسواق»، وقال صلى الله عليه وسلم «لا تلقوا الركبان للبيع، ولا يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبيع حاضر لباد»، ولقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم الناجش والمرابي في مرتبة واحدة «الناجش آكل ربا خائن، وهو خداع باطل لا يحل».

كما شدد صلى الله عليه وسلم على حماية المستهلك (بصفته محتاجا) من التاجر (بصفته مالكا)، اذ غلظ في تحريم الغش التجاري بقوله صلى الله عليه وسلم «من غشنا فليس منا»، ونهى عن بيع سلعة او خدمة معيبة من دون تبيان العيب، «لا يحل لمسلم باع من اخيه بيعا فيه عيب لا بينه له»، واعطى المستهلك خيار رد البضاعة «من باع محفلة فهو بالخيار ثلاثة ايام فان ردها مثل لبنها قمحا»، اي إن كانت السلعة قد استخدمت فللمستهلك ردها، ولكن مع حفظ حق التاجر، اذ لا ترد الا بغرامة.

واعتبر الخليفة عمر بن الخطاب معرفة الاحكام التجارية وقوانين السوق شرطا لازما لمزاولة التجارة، ذلك حتى لا يتجاوز التاجر حدوده او يقع بالمحظور، فقد روى الترمذي عنه «لا يبيع في سوقنا الا من قد تفقه في الدين»، وفي ذلك كله حماية للضعيف.

غير ان الاسلام لا يكتفي بحماية الضعيف من القوي، بل يسعى للاستعانة بقوة القوي لجبر الضعيف، فما افساح مساحات كبيرة للحث على الصدقات وفرض الزكاة وفتح الحلول المالية على باب الكفارات بالاسلام الا صورة من هذه الاستعانة.