قول الحقيقة

TT

يبدو وزير الخارجية الاميركي كولن باول من خلال تصريحاته الاخيرة حول الشرق الاوسط اشبه بحكم يجهل قواعد اللعبة التي يشرف عليها، اذ تجده يقول في لحظة ان الفلسطينيين باطلاقهم قذائف الهاون على اسرائيل يقومون بافعال «استفزازية»، ثم يتبع ذلك بادانة وشجب غارات «حزب الله» على الحدود الاسرائيلية، وينتهي بانتقاد اسرائيل لاستخدامها قدرا «مفرطا» من القوة في ردها على العنف الفلسطيني. الشرق الاوسط اليوم ليس بحاجة الى مثل هذا الحكم، بل هو بأمس الحاجة الى شخصية لها وزنها تعمل على تحديد وحماية قواعد اللعبة الاساسية. من ناحية أخرى، هو محق في إحجامه حتى الآن عن الانخراط في جولات مكوكية للتوسط بين الاطراف المعنية، لأنه في مرحلة ما قبل التوسط في دبلوماسية الشرق الأوسط.. مرحلة يعد اهم ما يمكن للولايات المتحدة القيام به خلالها قول الحقيقة، وهذا يعني التكرار على الملأ وبصوت عال مبادئ اي تسوية او وقف دائم لاطلاق النار.

ويعني القول للفلسطينيين انهم برفضهم عملية السلام في كامب ديفيد وتدشينهم لانتفاضتهم الثانية ارتكبوا خطأ كبيرا. فبدلا من دفع اليهود خارج الضفة الغربية، افقر الفلسطينيون انفسهم وأجهزوا على معسكر السلام الاسرائيلي. وبدلا من دفع الولايات المتحدة إلى التدخل، شعرت الادارة الاميركية الجديدة بالإعراض عن القيادة الفلسطينية، واعرض عامة الاميركيين عن متابعة ما يجري.

كما يعني القول لاسرائيل انه لو كانت القضية هي الدفاع عن الدولة اليهودية ضمن حدود آمنة، فان الولايات المتحدة تقف الى جانب اسرائيل، غير ان الولايات المتحدة لن تدافع عن احتلال اسرائيل الدائم للضفة الغربية، ولن تدافع عن مستوطنات بنيت في مناطق تقطنها اغلبية فلسطينية، وستدين الاستيلاء المتواصل على الاراضي الفلسطينية، وهو الامر المخزي الذي يزيد من تعقيد التوصل الى اي اتفاقات سلام.

استثمرت الولايات المتحدة الكثير في سبيل الحفاظ على «أوسلو» حية الى حد خوفها من قول الحقيقة. وباتت تخشى نقدها لمشاعر الكراهية التي يرعاها ياسر عرفات في الكتب المدرسية الفلسطينية وفي المساجد، فضلا عن خوفها من انتقاد اللاسامية المفرطة التي تتصف بها الصحافة المصرية، او وزير الخارجية المصري الذي دائما ما يشجب اسرائيل عند اقترافها خطأ ما.

اصبحت اميركا شديدة الخوف من قول الحقيقة الى حد انها دمرت كل ما كانت تحرص على بنائه، وعندما تتحدث اليوم فان الفرقاء ينصتون باهتمام، خاصة عندما تتفوه بالحقيقة بصوت واضح وعال.

الجميع يتساءل الآن «متى سيبدأ كولن باول في الوساطة؟»، بينما السؤال المهم هو متى سيتوقف عن المداراة ويبدأ في قول الحقيقة الواضحة لجميع الاطراف؟ وهو الامر الوحيد الذي يمكنه ان يفضي الى اعادة بناء اسس اي عملية سلام من جديد.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»