من الخارجية وإليها

TT

دارت الديبلوماسية العراقية منذ ربع قرن حول طارق عزيز الذي جاء اليها من الاعلام، والى الاعلام من الصحافة والى الصحافة من التعليم والى التعليم من حزب «البعث» الذي خطا خطوته الاولى نحو الحكم في العراق في 8 فبراير (شباط) 1963 وخطا الثانية في سورية بعد شهر واحد فقط في مارس (آذار) وفي الثامن منه ايضا.

كان طارق عزيز الاكثر استمرارية في نظام تقلب عليه او تقلب فيه الحزبيون من جميع الطبقات ولكن اغلبهم من جيل واحد تقريبا وقد بقي هو وسعدون حمادي في الواجهة السياسية، وتبادلا في مرحلة حقيبة الخارجية. غير ان طارق عزيز يمتاز عن سعدون حمادي، الذي يمكن ان يقول اقسى الاشياء في صوت شديد الهدوء، ويمتاز بانه يعرف كيف يقرأ ايقاع السياسة العراقية وكيل ينقله ايضا. فهو اكثر هدوءا من سعدون حمادي عندما يقتضي الامر وهو اكثر غضبا في محمد سعيد الصحاف عندما يقتضي الامر. بالاضافة الى طلاقة تعبيرية باللغة العربية، حملها من التعليم والصحافة ومناظرات الحزب، يعبر طارق عزيز بطلاقة انكليزية واضحة، لفتت اليه الانظار في الامم المتحدة، كما لفتت اليه «الاستنكار» الاميركي، الذي يعرف اكثر من سواه تأثير التعبير في مشاعر الناس.

وليس واضحا الى الآن ماذا تعني عودة عزيز الى الخارجية. او ماذا يراد بها. هل هي الحاجة الى طارق عزيز الهادئ القادر على احاطة محادثيه بكل اللياقة والتودد، ام هي الحاجة الى طارق عزيز الذي يفاوض جيمس بيكر طوال 6 ساعات ثم يخرج من قاعة «الانتركونتيننتال» في جنيف ورائحة الحرب في رماد سيجاره الكوبي؟ واذا كان نقل الصحاف الى الاعلام نوعا من العقاب المحدود، فان اعادة عزيز الى الخارجية او اعادتها اليه، هي نوع من خروج صاحب البيت وعودته اليه. واذا كان سبب نقل الصحاف هو حقا حديثه وتصرفه خلال القمة الاخيرة في عمان، فهذا يعني انه لا يجيد قراءة المتغيرات بدقة وانه لم يدر بالعناوين الجديدة التي ادخلت على كتاب السياسة. وتساعد الصحاف على تعابير الحدة ملامح وجه حائر بين المرارة والقسوة برزت بوضوح خلال وجوده في الخارجية، مع ان عارفيه يقولون انه في واقع الحال ليس في هذه المرارة ولا في هذه القسوة.

هناك فريق آخر يقول ان اتجاه السياسة العراقية لم يحسم ولم يتغير وان كل ما في الامر هو الحاجة من جديد الى اداء طارق عزيز، بالاضافة الى اعداد ناجي الحديثي لكي يكون هو وزير الخارجية المقبل، ما دام منصب طارق عزيز الآخر محجوزا له. ويبدو ان السنوات التي امضاها الحديثي في الخارج عركت خبراته الديبلوماسية. وفي هذه التنقلات ليس مهما فقط من اتى بل ايضا من لم يأت. فغياب نزار حمدون عن الترقيات هو غياب ديبلوماسي اظهر خلال عمله في الامم المتحدة طاقة على التعامل مع الاعلام الدولي برغم صعوبة الموقف العراقي.