مأثورات الأمس ومأثورات اليوم

TT

اصدرت مطبعة جامعة اكسفورد الطبعة الثانية لموسوعتها الشهيرة «قاموس اكسفورد للأقوال السياسية»، التي اصدرت الطبعة الأولى منها عام 1996. حرر الطبعة الجديدة انطوني جي والد بيتر جي المعروف بأذكى رجل في بريطانيا، بدليل انه تزوج ابنة رئيس الوزراء، كلاهن، فحصل على سفارة واشنطن.

هناك فرق كبير بين الطبعتين، فالجديدة منهما تضم مأثورات من ساسة ايامنا هذه، بمن فيهم كلنتن ومرغريت ثاتشر. فتشت عن أي مقولات لساستنا فوجدت اربعة، صدام حسين في قوله «ام المعارك»، العبارة التي دخلت الآن اللغات الأوربية. وجبران خليل جبران والملك فاروق في كلمته عمن سيبقى من ملوك العالم. لفت نظري القول المنسوب لأنور السادات فذكرني بما دعوت اليه دائماً. وهو ان على ساستنا ان يكتبوا خطبهم بالانكليزية أولاً ثم يترجموها إلى العربية ثم يلقوها. فكلمة السادات:

Peace is much more precious than a piece of land تبدو اكثر بلاغة بالإنكليزية منها بالعربية.

المسلم الوحيد الذي استشهدوا به هو الخميني. كل هذه الحكميات والبلاغيات العربية الاسلامية لم تعن شيئاً عند محرر القاموس. ولكنه استشهد بما قاله جنكيز خان: «السعادة هي ان تسحق اعداءك وتشردهم امامك وتستولي على ممتلكاتهم وتستمتع بيأسهم وتغتصب نساءهم وبناتهم». لولا العبارة الأخيرة لقلت انها من شارون. ولكنني اعتقد اننا شهدنا بين ساستنا من يجدر بهذه القطعة من مأثورات جنكيز خان كاملة بدون أي حذف.

لمرغريت ثاتشر ثلاث صفحات من هذا القاموس اعجبني منها قولها: «في عالم السياسة، اذا كنت تبحث عن شيء يقال ففتش عن رجل، واذا كنت تبحث عن شيء يعمل ففتش عن امرأة». هذا قول آخر جدير بحفظنا له، ويتحسن اكثر في رأيي لو اننا استبدلنا الكلمتين «رجل» و«امرأة» بكلمتين أخريين اتركهما لفطنة القارئ.

للرئيس الاميركي جورج بوش مكانه ايضاً، ولا سيما في قوله الشهير «الآن ليس هناك أي ضعف في ان تكلم والدك». طبعاً راح الجميع يتخيلون ويتأملون ما الذي قاله بوش الأب لابنه بوش الابن؟ كنت واحداً ممن تخيلوا وتأملوا. اخيراً قلت لنفسي لا بد ان قال له: «اسمع يا ولدي واتعظ مما جرى لي. احذر من ازعاج اليهود».

الشيء الملاحظ في هذا القاموس الفرق الواضح بين حكماء الأمس وحكماء اليوم. اقوال السلف الصالح وغير الصالح انصبت على المواعظ والقواعد الجدية التي قيلت لهداية الآخرين وتوجيههم. من الاقوال التي استشهدوا بها من الملكة اليزابث الأولى نصيحتها لرئيس الوزراء الجديد: «القول الذي اريد ان ادلي به اليك هو الا تفسدك أي هدايا ولا تلتفت إلى ما اريده شخصياً بل تعطيني الرأي الذي تعتبره انت صائباً».

قارن ذلك بالقول المأثور لادوارد هيث عندما ابلغوه على التلفون بأن مرغريت ثاتشر قد فقدت زعامتها لحزب المحافظين، فهتف قائلاً: «يا فرحتاه! يا فرحتاه! يا فرحتاه!» كل هذه المهاترات والشماتات والمغالطات المعاصرة.

شيء جديد آخر من تراث هذه الأيام، ان اصبحنا نجد في مثل هذه الموسوعات الحكيمة المحترمة اقوال بعض المومسات والقوادين. ومن افضل منهم في فهم شؤون عالمنا هذا؟ استطيع شخصياً ان استشهد بروائع من هذه الاقوال التي سمعتها في بغداد. ولكن انطوني جي لم يسمع بها مع الأسف فاستشهد بما قالته ماندي رايس ديفز وكرستين كيلر في قولها المأثور: «ستصبح مونيكا لوينسكي طيلة حياتها مثل المرأة الملتحية في السرك».