الرسالة التي تحتاج إيران سماعها

TT

في اطار تحولها عن سياسة التجاهل قررت دول مجلس التعاون الخليجي أن تطرح مبادرتها الخاصة لحل الأزمة المتعلقة بطموحات ايران النووية المزعومة.

ولا تأتي المبادرة قريبا. ذلك ان الزعامة الايرانية الجديدة التي تحيط بالرئيس محمود أحمدي نجاد تبدو عازمة على تحويل هذه الأزمة الى «صدام حضارات» بين الاسلام والعالم «الكافر».

وعلى أمل «تعبئة الجبهة الاسلامية» خلف مشروعه سافر أحمدي نجاد الى ماليزيا الشهر الحالي للقاء بزعماء سبع دول اسلامية رئيسية. وهناك سرعان ما بات واضحا انه بينما العالم الاسلامي مستعد للدفاع عن حق ايران في تطوير برنامج نووي مدني، فانه لن يقر طموحات الجمهورية الاسلامية ذات الطابع الحربي، ناهيكم من تشجيعها.

وفي كوالا لامبور جاء التحذير القوي للجمهورية الاسلامية من أن تتوجه لإثارة صدام من وزير خارجية تركيا عبد الله غول الذي حذر من أن المنطقة لا تحتمل أن تشهد حربا أخرى. وتوجه الرسالة ذاتها الى طهران الآن بواسطة مبعوث خاص لمجلس التعاون الخليجي.

وبينما يجري الترحيب بكل هذه المساعي الدبلوماسية الى حد انها تفضح مزاعم احمدي نجاد من أنه يتحدث باسم العالم الاسلامي، يجب على المرء ان لا ينسى حقيقة انها قد تصل الى دواء غير فعال يوصف لمرض آخر خاطئ.

وما تمس الحاجة اليه ليس منع حرب جديدة في الشرق الأوسط وانما انهاء حرب قديمة. ذلك أن الجمهورية الاسلامية في حرب ضد الولايات المتحدة وحلفائها، وبينهم حلفاء في المنطقة، منذ عام 1979. وبسبب أن هذه الحرب لم تكن في العناوين الرئيسية على الدوام، ولم يجر خوضها بنيران السلاح، على الرغم من أن ذلك حدث ايضا في بعض الأحيان، فان ذلك لا يعني انها لم تكن قائمة لفترة تقرب من ثلاثة عقود.

ومن المهم أن نتذكر كيف تبدأ الحروب.

الحروب لا تبدأ بإطلاق النيران. انها تبدأ في عقول الناس. فقد كان الحزب البلشفي في حرب ضد «القوى الامبريالية» قبل فترة طويلة من أكتوبر 1917 عندما استولى رجاله الأقوياء على الدوما (مجلس النواب) في بتروغراد.

كانت الحرب التي أطلقها الحزب النازي في أوروبا قائمة قبل فوز هتلر بالانتخابات عام 1933 في ألمانيا. وفي عام 1988 صرح أكبر هاشمي رافسنجاني المتحدث باسم المجلس الإسلامي آنذاك إن الحركة الخمينية في حالة حرب ضد الولايات المتحدة وحلفائها منذ ثورة الملالي الأولى عام 1963.

تندلع الحروب نتيجة لتصادم في الرؤية لدى الطرفين. ولم تجر الحروب دائما بالدبابات والصواريخ والطائرات، على الرغم من أنها في الأخير تشمل هذا الشكل. يمكن تسمية بعض المراحل من الحروب بـ «الباردة» ويمكن ان تستمر عقودا مثلما هو الحال مع الاتحاد السوفيتي ضد العالم الحر. وهناك بعض الحروب التي يمكن تسميتها بـ « الدافئة» لأنها تشمل الاحداث الباردة والساخنة، وهذه هي الحال بالنسبة للحرب التي شنتها الانظمة الديكتاتورية العراقية ما بين عامي 1958و 1975 ضد إيران. (بحلول عام 1980 تحولت إلى حرب ساخنة استمرت ثماني سنوات).

شملت الحرب ما بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة مراحل ساخنة أيضا. فالهجمات الانتحارية أدت إلى مقتل أكثر من 300 أميركي بضمنهم 241 من جنود المارينز في بيروت في أوائل الثمانينات من القرن الماضي كذلك ما جرى بين عامي 1987 و 88 من مواجهات، بما فيها إغراق نصف بحرية إيران وإسقاط الطائرة المدنية الإيرانية المحملة بـ 500 راكب.

منذ عام 1979، لم يمض شهر تقريبا ولم تشن الولايات المتحدة وإيران الحرب على بعضهما البعض. وهي حروب متعددة الوجوه تتضمن أبعادا ثقافية وسيكولوجية ودبلوماسية واقتصادية ناهيك من الإرهاب.

ظلت الإدارات الأميركية المتعاقبة تنكر أن هناك حربا ضد إيران. وخلال الثمانية أعوام التي كان فيها محمد خاتمي رئيسا تظاهرت إيران بأن ليست هناك حرب مع الولايات المتحدة. ولعل خاتمي كان مدفوعا بنوايا طيبة. لكن اللعبة التي كان يمارسها أجبرت الجناح الراديكالي ضمن النظام إلى ضرب ذلك ثم وضع استراتيجية حرب باعتبارها أساسا لصنع القرارات السياسية في طهران.

منع الحرب ليس مماثلا لإنهائها. ومثلما أظهر المؤرخ أي جي بي تايلور فانه لم يكن ممكنا منع الحرب العالمية الأولى حالما بدأ إرسال الجنود بالقطارات إلى جبهات مختلفة.

ليست هناك آلاف الطرق لإنهاء حرب ما.

تنتهي غالبية الحروب بانتصار طرف وهزيمة الآخر. الطرف المنتصر دائما ما يفرض ارادته على الطرف الخاسر. قليل فقط من الحروب انتهى بتعادل الطرفين، وغالبا ما يوقع الطرفان على وقف لإطلاق النار يمنح الطرفين استراحة حتى الجولة المقبلة. إلا انه لا توجد حرب تنتهي بصورة نهائية إلا اذا ازيحت العقليات التي اختمرت داخلها فكرة هذه الحرب من مواقع السلطة في واحد من طرفي النزاع او في كليهما. بمعنى آخر، الحرب لعبة ربح وخسارة. إلا ان المشكلة تكمن في ان النخبة السياسية التي ظلت منذ عقد السبعينات تحدد معظم الأجندة الدولية نجحت في إقناع قطاع كبير من الرأي العالمي بأنه من الممكن ان يكسبها الطرفان المتنازعان.

نتيجة هذه الفكرة الغريبة تظهر واضحة في عشرات النزاعات «المجمدة» في مختلف انحاء العالم، وهذا يعني ان تحويل الحرب الى صراع طويل لا نهاية له يؤدي الى المزيد من الصعوبات والمعاناة والمزيد من الضحايا على مدى فترة طويل من الزمن.

ليست هناك عدة طرق متعددة يمكن ان تنتهي اليها الحرب بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والعالم «الكافر». من الممكن ان نتخيل سيناريو ساخن من المحتمل ان يسبب للولايات المتحدة وحلفائها صعوبات اكثر من تلك التي تواجهها في العراق. ولكن حتى في حال حدوث هذا السيناريو ليس هناك ضمانات لبقاء النظام الايراني تحت رئاسة احمدي نجاد او أي شخص آخر غيره.

من الممكن ايضا ان تنتهي الحرب في حال تعرية وكشف ومعارضة الطرف الايراني بصورة فاعلة. إذ ان كثيرا من عناصر القيادة الايرانية تدرك ان المجموعة المتشددة التي تمسك بزمام السلطة في طهران تقود البلاد باتجاه حرب وكارثة محتملتين. إلا ان هؤلاء لا يتحدثون عندما يشاهدون احمدي نجاد وهو يتحدى العالم بأسره دون ان يتعرض الى أي انتكاسة حتى الآن.

اما الذين يتمنون ان تنتهي هذه الحرب او أن لا يظهر فصل ساخن من فصولها على الأقل، فيجب عليهم ان يعلموا ان طهران تقف لوحدها في سياسة المواجهة والتحدي. يجب ان تكون الرسالة الموجهة الى طهران هي انه ليست هناك دولة في المنطقة، دعك من العالم الإسلامي، على استعداد لمساعدتها في إشعال «صراع الحضارات» الذي يحلم به ويتحدث عنه الخمينيون المتشددون.

هذه الرسالة ستعزز موقف عناصر داخل المؤسسة الايرانية تدرك ان هذه الحرب غير الضرورية والتي لا يمكن الانتصار فيها، قد استمرت فترة طويلة وأن وضع نهاية لها اليوم قبل غد هو الخيار الأفضل لكل الأطراف المعنية، وقبل كل شيء للشعب الايراني.