وعد أولمرت ووعيده!

TT

قد ينتظر أولمرت 6 أو 9 اشهر للتوصل إلى حل تفاوضي على أساس «خريطة الطريق» مع الفلسطينيين، ولكنه لن ينتظر إلى الأبد، أو ربما لن ينتظر زمنا أطول من هذا الذي حدَّده، فإذا انقضت تلك المهلة من غير أن يظهر الشريك الفلسطيني المفاوض، ويُنجز حلا كذاك مع إسرائيل، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومن غير أن يتخلى عن إيمانه بضرورة وأهمية التوصل إلى اتفاق للحل النهائي عبر التفاوض مع الفلسطينيين، سيجد نفسه مضطرا إلى البدء بتنفيذ خطته الأحادية الجانب للانفصال عن الفلسطينيين في الضفة الغربية، وترسيم الحدود النهائية لإسرائيل في داخل هذه المنطقة الفلسطينية.

بهذا التصور ذهب اولمرت إلى واشنطن للقاء الرئيس بوش وكبار المسؤولين في إدارته، وللحصول على تأييد ودعم الولايات المتحدة لخطته المسماة «خطة الانطواء»، فهل تحقق له ذلك؟. لقد حصل اولمرت على الثناء والتقدير، فالرئيس بوش رحب بـ«الأفكار الجريئة» التي تقوم عليها «خطة الانطواء»، ولكنه لم يمنح الخطة من التأييد والدعم إلا بما يعدل المعنى الذي انطوى عليه قوله الآتي: «اقتراح اولمرت لترسيم حدود إسرائيل من جانب واحد قد يكون خطوة مهمة على الطريق المؤدية إلى السلام في الشرق الأوسط».

أما متى يُدْخِل الرئيس بوش حرف «قد» على الفعل الماضي بدلا من الفعل المضارع، وينتقل، في موقفه، بالتالي، من الشك أو الاحتمال إلى التأكيد، فهذا إنما يتقرر في ضوء النتائج التي ستتمخض عن اختبار إسرائيل والولايات المتحدة لقدرة الفلسطينيين، ولقدرة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على وجه الخصوص، على إظهار وتأكيد وجود الشريك الفلسطيني التفاوضي في خلال مهلة الستة أو التسعة أشهر، التي قد تُمدَّد قليلا.

هذه المرة لم يأتِ «الوعد» من الرئيس بوش وإنما من ضيفه اولمرت، فرئيس الوزراء الإسرائيلي وعد بأن يبدأ بعد مغادرته الولايات المتحدة ببذل وسعه، واستنفاد كل الوسائل والسُبل الممكنة، توصُّلا إلى بدء مفاوضات سياسية مع الفلسطينيين من أجل تنفيذ «خريطة الطريق».

وتمهيدا للقاء وشيك مع عباس قد يعقد في شرم الشيخ بحضور ومشاركة الرئيس المصري حسني مبارك، وصف اولمرت رئيس السلطة الفلسطينية بأنه رجل «صادق وجدي». وهذا قد يعني أن اولمرت ينوي استنفاد «المهلة»، و«الوسائل والسُبل الممكنة»، في طريقة تسمح له بمفاوضة عباس وكأن لا وجود لحكومة «حماس»، وبالاستمرار في محاصرة حكومة «حماس» والتضييق عليها وكأن لا مفاوضات إسرائيلية مع رئاسة السلطة الفلسطينية.

وعمَلُ اولمرت بحسب هذه الطريقة لا يعني أنه سيكف عن مطالبة رئيس السلطة الفلسطينية أن يقف من «حماس»، حركةً وحكومةً، مواقفَ يؤكِّد عبرها التزامه تلبية الشروط والمطالب الأمنية المنصوص عليها في «خريطة الطريق»، وحرصه على إرغام حكومة «حماس» على تلبية ما يسمى «شروط ومطالب المجتمع الدولي» لتغيير معاملته لها.

ولكن، ما هو جوهر الاتفاق الذي يريد اولمرت التوصل إليه عبر تلك المفاوضات، إذا ما كان راغبا حقا في بدئها ؟ إنه يريد اتفاقا يسمح بتنفيذ خطته المسماة «خطة الانطواء»، من حيث الجوهر والأساس، مع إظهار هذا الاتفاق للعالم على أنه تنفيذ لبند «الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة» من «خريطة الطريق»، فيصبح «الجدار الأمني»، الذي بني منه حتى الآن 42 في المئة، جزءا من تلك الحدود المؤقتة بدلا من أن يصبح جزءا من الحدود الدائمة لإسرائيل.

أما إذا جرت الرياح الفلسطينية بما لا تشتهي سفينة اولمرت، وانقضت المهلة من غير أن يجد من النتائج ما يسمح له بالاعتراف بوجود شريك فلسطيني، فسينتقل اولمرت من «الوعد» إلى «الوعيد»، فهو لم ينسَ، في أثناء زيارته لواشنطن، أن يتوعد بتنفيذ مبادئ «خريطة الطريق» من طرف واحد!

وقد قال اولمرت على مسمع من الرئيس بوش: «إذا لم يظهر المحاوِر الفلسطيني (في المهلة التي حددها) فإن إسرائيل ستبحث عن وسائل أخرى لتطبيق مبادئ خريطة الطريق»!