بلير خلفا لعنان

TT

للذين لا يحبون توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا، عليهم ألا يقلقوا، فهي مجرد اشاعة سرت في الاوساط الاعلامية منذ تواترت انباء عزمه على ترك منصبه بسبب الضغوط الحزبية ضده، وراج انه يريد ان يتبوأ منصبا كبيرا في احدى المنظمات الدولية. وعندما خرج امس الأول في المؤتمر الصحفي، وتحدث بحماس عن اصلاح الامم المتحدة، وتحديدا، توسيع طاولة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بخلاف رفيقه جورج بوش، استنتج البعض ان بلير يروج لنفسه حتى يأخذ منصب كوفي عنان.

والفكرة ليست سيئة، خاصة ان وظيفته تنتهي بنهاية هذا العام، أعني بلير، ويبدو من المستحيل ان يصل الى الشهر الثاني عشر من السنة الحالية، وقد يغادر في أي يوم قريب. في نفس نهاية العام الحالي يكون عنان هو الآخر قد اكمل فترته كأمين عام للأمم المتحدة، وبات كرسيه شاغرا ولا أحد حصل على رضا الدول الدائمة. صحيفة «الاندبندنت» اللندنية سمته مخرجا لبلير من ورطته الحالية. قالت انها فرصة عظيمة لينتقل الى نيويورك ويحصل على مرتب سخي باربعمائة الف دولار، وبيت على شرق النهر في مانهاتن، وأعلى وظيفة دولية.

لكن حظ بلير في ان يكون الأمين العام للأمم المتحدة أقل من حظه في البقاء رئيسا لوزراء بريطانيا، السبب الا أحد من مواطني الدول الخمس الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن له ان يترشح للمنصب. هذا مجرد عرف وليس قانونا، وليس من المتوقع ان تتغير العادة في اختيار سكرتير بديل من المائة والست والثمانين دولة خارج مجلس الأمن. فنادي مجلس الأمن عضويته تمييزية «ابدية»، وفي يدها اعظم سلطة قانونية، وبالتالي لا يمنح منصب السكرتارية لأي من الدول الخمس، الا ان كانت بريطانيا تعتزم التخلي عن مقعدها، وهو أمر مستبعد تماما.

لكن أرى، ورغم ان رأيي هذا لا يعجب كثيرين، بلير أكثر ساسة الغرب تميزا، وصاحب رؤية ذات بعد عالمي. ومع ان خصومه صوروه كلب بوش الوفي، الا انه في حقيقة الأمر الرجل الذي سعى في مرات عديدة الى لجم الرئيس الاميركي والحد من مغامراته، ودفعه مرات نحو دعم الحلول السلمية في فلسطين والمنطقة. ومهم ان ندرك طبيعة العلاقة الخاصة بين بريطانيا والولايات المتحدة، البلدين الاقرب. ولولا الولايات المتحدة لكانت الثانية في مهب الريح منذ زمن بعيد، ولسقطت في امتحان غزو الارجنتين، جزر الفوكلاند وكل الامتحانات اللاحقة. وكثير ممن تعامل سياسيا مع بلير، خلال السنوات الحرجة الماضية يقول الشيء نفسه. وأفضل مثال أمامنا، إدارته ما بعد احداث التفجيرات التي هزت بريطانيا، حيث حرص بلير على منع اجهزة حكومته من اساءة معاملة المسلمين المواطنين او المهاجرين باسم الضرورات الأمنية او غيرها، وأبقى على علاقة مستقرة فيها احترام وتعايش لا نظير له في اوروبا.

[email protected]