حيرة الصحافية الإيطالية

TT

بملامح بدا فيها رجاء لا قناعة، حسمت الصحافية الإيطالية المعروفة جيوفانا بوتري موقفها من ممارسات المسلحين في العراق، الزرقاويين وعموم المتطرفين بقولها، «لا أعتقد أن الأمر له علاقة بالتشدد والأصولية، لاشك أن الأمر سياسي».

موقف بوتري أتى خلال نقاش جرى على هامش واحد من المؤتمرات الكثيرة التي تعقد في بيروت. كانت هي ومجموعة من الصحافيات الإيطاليات يناقشن إعلاميات وصحافيات عربيات في قضية يبدو أنها باتت أزلية، وهي العلاقة الملتبسة بين الغرب والمسلمين وصدى هذا الالتباس في إعلام المجتمعين.

بدت بوتري بحاجة فعلية إلى فهم دوافع الكثير من الممارسات والارتكابات العنيفة في العراق وفلسطين وعموم المنطقة، وهي منكبة الآن على دراسة اللغة العربية وعلى قراءة القرآن وقراءات سياسية وتاريخية أخرى. لم تستطع الصحافية الإيطالية التي غطت حروباً عدة من البوسنة إلى العراق مداراة حاجتها الماسة إلى فهم الكثير من التعقيدات التي تكتنف عمل المراسلين الغربيين حين يفدون إلى المنطقة لتغطية تطورات الوضع في العراق، وهي تعقيدات تتجاوز حدود الخطر الأمني لتصل إلى عمق التواصل مع المجتمعات ورفض الكثيرين المسبق لهم كغربيين واتهامهم بأنهم عملاء وكفرة.

زميلات بوتري الصحافيات أعربن عن قناعاتهن المطلقة بمسؤولية الغرب، أو قوى أساسية فيه، عن كثير من المعايير المزدوجة وعن أخطاء سياسية فادحة ترتكب بحق العرب والمسلمين، لكن مع ذلك بدا الجنوح المخيف لدى كثير من الجماعات والمجتمعات نحو ممارسات عنيفة إلى حد مرعب عصياً على فهم هؤلاء الصحافيات.

بالنسبة إليهن، فإن الدخول إلى عمق المجتمعات الإسلامية والعربية والحديث مع شرائح مختلفة فيها أمر في غاية الحيوية والأهمية، لكن تحول اللغة دون تمكنهن من التواصل المباشر، بالإضافة إلى الشعور بأنهن كغربيات قد ينظر إليهن بكثير من الريبة والتشكيك، وبالتالي تبقى دواخل هذه المجتمعات مقفلة في وجوه عمل صحافي يتطلع إلى تغطية أكثر عمقاً لا تكتفي بالظاهر من الأمور.

لا شك أن نقاشات من هذا النوع تتكرر في لقاءات مماثلة بين صحافيين عرب وغربيين، لكن ما بدا لافتاً في الصحافيات الإيطاليات، وبالتأكيد يشاركهن صحافيون غربيون هذا الأمر، هو التقاء الصدق في محاولة الاقتراب من هذا العالم مع العجز المطلق عن إدراكه مهما قرأوا وجهدوا في فهم تفاصيله. لا يمكن اختصار الصحافيين الغربيين بجيوفانا وبعض من أمثالها، ففيهم كثيرون من حاملي الأفكار المسبقة عنا. لكن ألا تطرح علينا هذه المعادلة نحن الصحافيين والإعلاميين، عربا ومسلمين، مهمة جديدة تتمثل في أن الغرب صار بحاجة إلى أن يفهمنا ويعرفنا تماما كما نحن بحاجة إلى فهمه على نحو مغاير لما هو سائد في الوعي العام العربي والإسلامي، مغاير للفكرة المبتذلة عن أن الغرب كله متآمرٌ ومسيطرٌ وليس فقط هناك كيانات ومجتمعات وأفراد.

diana@ asharqalawsat.com