إذا حضر القدر..

TT

«اذا حضر القدر عمي البصر» من الامثال الشائعة في معظم البلدان العربية، إن لم أقل جميعها. ولا شك ان له مرادفاته في البلدان الأخرى ايضا. وهو كذلك موضوع تفكير الفلاسفة المسلمين لسنين طويلة «هل الانسان مخير أم مسير؟» ولمفهوم القدر مكانته في كتاب الله العزيز. ورد مثل ذلك في كثير من الآيات الكريمة منها قوله تعالى في سورة يونس: «إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون». وكذلك في سورة الحجر: «ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون».

وتراث الاسلام حاشد بالمواعظ والقصص المفيدة في هذا الشأن، منها ما ورد عن الامام علي بن أبي طالب في أيام حرب صفين ـ قالوا له يا أمير المؤمنين لو اتخذت درعا يحميك فأجاب قائلاً: «كفى بالأجل حارسا». وكان لهذا المفهوم صداه في حنايا الأدب العربي، ومنها قول الشاعر:

وإذا المنية أنشبت أظفارها الفيت كل تميمة لا تنفع

ورويت حكايات كثيرة في شرح هذا المثل وتبيان تطبيقه. ولا أدل على كثرة رواجه من ترداده على لسان العامة بصيغته الفصحى، وهذا من القليل النادر.

في هذه الحكايات الدالة ان رجلا من الصالحين كان مسافرا في طلب الحكمة فرأى في طريقه فخا منصوبا لصيد الطيور ورأى عصفورا يلتقط حوله دون ان يعبأ بالفخ أو يحتاط للخطر. فتوقف الرجل الحكيم وخاطب العصفور، وكان يجيد لسان الطير والحيوان لصلاحه وعلمه، فقال للعصفور: «يا هذا، ألا تعلم بأمر هذا الفخ المنصوب لك فتبتعد من مكانه وتأمن شره؟».

أجابه العصفور الذي كان بدوره يحسن لسان البشر ويجيد قواعد اللغة العربية، وهو شيء نادر جدا حتى بين العصافير، فقال له: «انني اعلم بأمر هذا الفخ واسراره. انه صناعة عربية ولن يعمل، ولهذا آكل وأمرح وارقص وأغني من حوله وأغيظ صاحبه».

مضى الرجل الصالح في طريقه في طلب الحكمة التي تعذر عليه حصوله على اي شيء منها في بلده العراق. ولما أكمل الحصول عليها واكتملت فيه المعرفة، عاد من حيث اتى الى مسقط رأسه في بغداد فمر في طريقه بذلك المكان، واذا به يرى العصفور محبوسا في الفخ فقال له: «يا هذا، ألم أحذرك؟ فكيف وقعت في الفخ؟». فأجابه العصفور: «اذا حضر القدر، عمي البصر».

سمع الرجل الصالح ذلك القول فكتبه في دفتره في فصل «خطف العصافير في العراق». وما أن شرع بمواصلة طريقه حتى جاءه صاحب الفخ وقال له: «عشرة آلاف دولار فدية واطلق لك سراح العصفور».