شارون يكشف وجه إسرائيل القبيح

TT

الصورة التي أسفرت بها حكومة اسرائيل عن وجهها العدواني القبيح بتصعيد عمليات الاغتيال والتدمير والقهر ضد شعب فلسطين، والهجوم الجوي على موقع الرادار السوري في البقاع، واقتحام المجال الجوي اللبناني واختراق حاجز الصوت فوق بيروت، ليست نتيجة لتفكير ارئيل شارون وحده الذي نعرفه مجرم حرب قديما يستحق أن يقدم لمحكمة دولية، ولكنها لابد أن تكون نتيجة تفكير وعقيدة مؤسسة أصبح لها السيطرة الفعلية داخل المجتمع الاسرائيلي. وقد أفرزت عدداً من رؤساء حكومات اسرائيل لم يحرص أحدهم على الوصول إلى سلام المنطقة إذا استثنينا اسحق رابين الذي اغتيل بيد متطرف ديني وهو يخطب في تل أبيب في مئات الألوف من أنصار السلام.

هذه المؤسسة الاسرائيلية أسفرت عن وجهها القبيح في عدد من الأحداث والتصريحات التي وقعت في الفترة الأخيرة، وهذه بعض الأمثلة.

أوفاديا يوسف زعيم حزب شاس والحاخام الأكبر لليهود الشرقيين «السفرديم» أعلن في موعظته الدينية ليلة عيد الفصح اليهودي بوجوب إبادة العرب بالصواريخ بدون شفقة لأنهم أعداء منذ خروج اليهود من مصر على حد قوله، ولقيت هذه الموعظة صداها من اليعازر وزير الدفاع وهو يهودي شرقي أيضاً صرح بأن قواته ستقذف الفلسطينيين بالصواريخ حتى يستسلموا.

رئيس أركان حرب الجيش الجنرال موفاز أعلن أن قواته المسلحة سوف تستخدم كل وسائل الضغط لوقف ما اسماه العنف الفلسطيني فيما أطلق عليه الحرب الخامسة. وقد تحقق ذلك فعلاً بما ارتكبه الجيش الاسرائيلي من أعمال عدوانية لا يمكن أن تتم في وقت من المفروض أن تتم فيه تسوية سلمية.

جماعة «أمناء الهيكل» اليهودية المتطرفة سيرت مسيرات حاولت بها اقتحام المسجد الأقصى بتشجيع من (عوزي لانداو) وزير الأمن الاسرائيلي، ويعتبر ذلك امتداداً لما سبق أن قام به ارئيل شارون عندما اقتحم المسجد الأقصى يوم 27 سبتمبر (ايلول) بموافقة ايهود باراك وحراسة ثلاثة آلاف جندي اسرائيلي، مما كان سبباً مباشراً في اشتعال الانتفاضة الشعبية الفلسطينية في اليوم التالي مباشرة 28 سبتمبر. ومع ذلك فإنه قد أعطى أخيراً الأوامر للقوات المسلحة بفتح المسجد الأقصى أمام اليهود للصلاة.

ومن المثير أن يتجاوب مع هذا الموقف الذي جمع بين الجنرالات المتطرفين والأحزاب الدينية، يتجاوب حزب العمل بقبوله أولاً الدخول في هذا التحالف الذي تتشكل منه الوزارة التي رفض رئيسها شارون كل ما تم الاتفاق عليه مع ايهود باراك زعيم حزب العمل قبل وبعد انتخابه رئيساً للوزراء. وفي مضمار هذا التحالف الجديد أصبحت سياسة حزب العمل متنافرة مع أسلوبه القديم ومنضوية تحت عباءة الليكود. وأصبحت تصريحات شيمون بيريز مثيرة للعجب لتنافرها الواضح من جهة مع تصريحاته ومواقفه السابقة التي حاول بها أن يلبس قناع رجل السلام بعد حصوله على جائزة نوبل، وافتتاحه مركزاً للسلام في تل أبيب، واقترابها الشديد من جهة أخرى لأسلوبه في عملية (عناقيد الغضب) التي ارتكب فيها مذبحة قانا عام 1996.

وهكذا يختمر الوضع داخل المجتمع الاسرائيلي في تأييد واضح لتحالف الجنرالات والليكود والأحزاب الدينية المتطرفة الذين تجمعهم مؤسسة دينية وسياسية واجتماعية واحدة تجد من الادارة الأميركية تأييدا شبه مطلق، فهي تؤيد عدوانها على موقع الرادار السوري في البقاع باعتباره نتيجة منطقية لمقاومة «حزب الله» للوجود الاسرائيلي في مزارع شبعا، متناسية أن هذه المزارع أرض لبنانية باعتراف سوريا، وأن المقاومة فيها من أجل التحرر هي أمر مشروع تقره جميع القوانين الدولية، وأن اسرائيل مازالت تحتجز بعض الأسرى اللبنانيين. ومع ذلك فإن الادارة الأميركية لم توافق على احتلال القوات الاسرائيلية للأرض الفلسطينية في غزة باعتباره نقضا لالتزامات موقعة بين الطرفين في واشنطن مما دفع الجيش الاسرائيلي إلى الانسحاب فعلاً.

ومن الأمور التي تثير الانتباه ما وافتنا به صحيفة نيويورك تايمز من أن دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الاميركي قد اقترح احتمال انسحاب القوات الأميركية التي تعمل ضمن القوة المتعددة الجنسيات في سيناء، الأمر الذي رفضه الرئيس المصري محمد حسني مبارك، وأبدى شارون استغرابه له، وهو اقتراح مثير للريبة في هذا التوقيت بالذات الذي انطلقت فيه تهديدات اسرائيلية بضرب السد العالي، واتهامات بأن مصر تسلح الفلسطينيين، واغلاق ممر رفح أمام دخول المصريين، مما يدفع إلى التشكك والحذر.

وهكذا تكتمل معالم الصورة. مؤسسة اسرائيلية عدوانية تهدف إلى تحقق أهداف الصهيونية التوسعية بتثبيت دعائم الاستعمار الاستيطاني. وادارة أميركية تربطها علاقات استراتيجية مع اسرائيل. ولا يجد هؤلاء خيراً من ارئيل شارون لتنفيذ هذا المخطط الذي يكشف وجه اسرائيل القبيح.

ولكن الأمر لا ينتهي باستخدام العنف الاسرائيلي وحده مهما بلغت قسوته، لأن استمرار الانتفاضة والاصرار عليها رغم الخسائر والتضحيات، وتأكيد التضامن العربي لها لا يجعل الطريق سهلاً ومفتوحاً أمام شارون.

ان الشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة تقتضي تأييداً مطلقاً لمختلف صور المقاومة الشعبية في دول المواجهة. وتاريخنا يؤكد أن تضامن الدول العربية يظهر في أروع صورة أمام الشدائد ومواجهة الأحداث العدوانية مما يدعو إلى تعبئة كافة الجهود الحكومية والشعبية لالحاق الهزيمة بأهداف شارون العدوانية الدموية التي تكشف أقبح وجه لاسرائيل.