هل مستقبل الكلمة المطبوعة مضمون؟ السنوات المقبلة ستحدث تغييرات جذرية لمفاهيم ثابتة

TT

هناك سؤال يتكرر باستمرار: هل ان مستقبل الكلمة المطبوعة في ظل تكنولوجيا المعلومات والكومبيوتر مضمون؟ والجواب ان مستقبل الكلمة المطبوعة في امان، على الرغم من الضغوط التجارية لسوق الكتب والمطبوعات، فضلا عن تملك معظم الناشرين العالميين من قبل قياصرة الإعلام والاحتكارات العملاقة. وقد ازداد الإقبال على الكتب بشكل جوهري في السنين القليلة الماضية في البلدان المتطورة. ويمكن اليوم شراء الكتب المطبوعة ايضا عبر الإنترنت. ويعتبر أهم الأسباب لضمان مستقبل الكلمة المطبوعة هو أن ثورة الإلكترونيات والاتصالات تقدم المعلومات والأرقام عبر الكومبيوتر، اما الكتاب فيعطي معرفة كبيرة ذات تفاعل ثقافي مهم وانعكاسات اجتماعية بالغة الأثر، اضافة إلى متعة قراءة الكتب على الكراسي المريحة أو الاسترخاء على الفراش أو جمعها كهواية من قبل بعض الناس، بعيداً عن طاولة الكومبيوتر المتعبة.

الطباعة ما زالت مكلفة قطعت البشرية، خلال ستة قرون، منذ اختراع أول مطبعة وطباعة أول كتاب شوطاً كبيراً. وعلى الرغم من تطور تقنية الطباعة المعقدة منذ فترة غوتنبرغ، إلا أنها ما زالت مكلفة للغاية وليس في استطاعة أي فرد تحمل أعبائها. أدى استخدام التكنولوجيا الجديدة والكومبيوتر لخزن ونشر الكتب الإلكترونية عبر الكومبيوتر الشخصي إلى انفجار في عدد الناشرين المستقلين، اضافة إلى التطورات الهائلة في تقنية الأقراص المكثفة CD-ROMS الجديدة والحاوية على قدرة خزن كبيرة.

لقد ساعد كل هذا على بروز الإعلام الرقمي وانعكاساته البالغة الأهمية، حيث توجد اليوم في حدود مائة شركة للطباعة أو النشر الإلكتروني، كما أن هناك رقماً هائلاً من أصحاب الاختصاص في هذا المضمار، وعددا من الشركات المذكورة مختصا في نشر الأعمال الأدبية والرومانسية وآخر في الانتاجات العلمية، وثالثا في الكتب التاريخية وهكذا. اضافة لذلك فهناك نمو في مجلات الإنترنت ويتزايد عدد قرائها، حيث يقدرون بالملايين في أنحاء كثيرة من العالم. والأهم من كل ذلك، دور تلفزة المؤتمرات Video Conference في الكلام ومشاركة الآخرين من العالم الكبير للعمل سوية عبر اللائحة البيضاء White Board في آن واحد. وقيمة المؤتمرات المتلفزة ليست برؤية الأشخاص، عبر حاجز الوقت، في أنحاء المعمورة، وإنما مشاركة الجميع للائحة البيضاء أو ما يسمى احياناً في مصطلحات هذا النوع من الفعالية بـ Telespace، حيث يزيد هذا النوع من التعاون في أداء الأعمال لمهارات الاتصال Communication، المختلفة بطبيعتها عن الاتصالات المباشرة وجهاً لوجه في الاجتماعات التقليدية، بسبب استثمار جميع المشاركين للفضاء العقلي Cyber Space والموجود أكثر في حواس الإنسان عن ذلك في تجسيد ثلاثة أبعاد اللقاء الشخصي.

وهذا ما يعزز قيمة الأفكار ونوعية الإيحاءات ويكون العمل الجماعي ذا نتائج افضل وأكثر. وقد بدأ تطبيق هذا الأمر حديثا على بعض المشاريع الجديدة لتعليم الأطفال، التي تركز أساساً على مهارات القراءة والكتابة، إضافة إلى تطوير طرق التعليم. فقراءة قصص الأطفال، على سبيل المثال، تساعد في تطوير خيال وتفكير الأطفال مما يشكل عندهم رؤية جديدة للحياة والعالم. وتحدد قراءة القصص وضعية الطفل وعلاقة الواحد بالآخر وعلاقتهم بعالم الكبار.

غير اختراع الطباعة قبل ستة قرون الحياة الاجتماعية بشكل درامي، وهذا ما أدى إلى تبلور فكرة تمهين الصغار من قبل عالم الكبار. وتسخر التكنولوجيا المتقدمة والمتفاعلة في تطوير مهارات الأطفال الصغار في القراءة والكتابة، اضافة إلى الخيال وقواعد التفاهم وغيرها.

الأطفال بين الإنتاج والاستهلاك ويمكن استخدام الكومبيوتر أو الحقيقة الافتراضية Virtual Reality من قبل الأطفال كأدوات لتصميم الأنظمة في رؤية العالم من زاويتهم. ولتوضيح الأمر، فإن قراءة القصص تتم بالطريقة الاعتيادية مع إعطائهم بعض الأفكار وسؤال الأطفال في ما بعد لرسم صور الحيوانات أو وسائل اللعب على الكومبيوتر التي يمكن تحويرها أو تطويرها بواسطة الكومبيوتر بسهولة وكفاءة. وهذه الطريقة تمكن الأطفال من تصميم الأدوات بأنفسهم وبالشكل الذي يرونه وليست أدوات مصممة لهم من قبل الكبار. ويؤدي هذا، كما يعتقد الخبراء السيكولوجيون، ان ذلك يساهم في جعل الأطفال منتجين وليسوا مستهلكين فحسب، فضلا عن قابلية العمل الجماعي. كما يعطي الأطفال الحافز للتعلم والحركة وليس السماع والاستهلاك، وتتجاوب مع حاجة أولئك الأطفال الذين لا يرغبون في شيء اسمه كتاب. أما من الناحية السلبية فهي أن الأطفال غير الراغبين في استخدام الكومبيوتر يصبحون خارج دائرة التقنية العالية وغير متفاعلين مع عالم المعلومات عند نضوجهم، وستقود طرق التعليم الجديدة، كما تعتقد البحوث، الصغار عند بلوغ الرشد للدخول إلى العالم بأفكار راديكالية وعمليات تغيير جوهرية وتصورات جديدة. وستحدث هذه التطورات الدرامية في العقود القليلة المقبلة تغيرات جذرية لمفاهيم ثابتة عند الإنسان لفترات طويلة كالزمن والكلمة المطبوعة والحاسة السادسة للمعلومات والخيال وغيرها.