إسرائيل على أبواب التأقلم مع حماس

TT

ماذا إذا جاءت نتيجة الاستفتاء مغايرة لتوقعات محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ومؤيدة لبرنامج وميثاق حماس؟ وماذا إذا رفضت حكومة حماس الموافقة على إجراء الاستفتاء؟ هل كانت دعوة عباس للاستفتاء على الوثيقة التي أعدها سجناء فتح وحماس في السجون الاسرائيلية وتتضمن 18 نقطة ابرزها موافقة الشعب الفلسطيني على قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة لإحراج حماس او انه كان يراهن على انها سترفض ـ وزير خارجية حماس محمود زهار قال يوم الاثنين الماضي ان حكومته لا تملك المال لتصرفه على الاستفتاء ـ مما يعني رفض الدعوة.

هناك اعتقاد بان اسرائيل، والولايات المتحدة، والاتحاد الاوروبي، ومصر والاردن تحاول عبر المقاطعة الاقتصادية والعزل السياسي وضع نهاية لحكم حماس، لانها تشعر ان محاولاتها اقناع حماس بالاعتراف باسرائيل، والتخلي عن الكفاح المسلح والالتزام بالاتفاقيات الموّقعة سابقا ما بين الفلسطينيين والاسرائيليين لن تنجح. ويبدو ان اكثر المقتنعين بهذه النتيجة هو محمود عباس رغم انه ضد المقاطعة الاقتصادية، لا بل هو يريد ان تصل المساعدات الدولية الى الشعب الفلسطيني عبر الرئاسة، كي يكون قادراً على الدعوة لإجراء انتخابات برلمانية جديدة في فصل الصيف على اساس ان حماس غير قادرة اقتصاديا ودستوريا على الحكم. هذه كانت الرسالة التي حملها عباس معه في جولته الشهر الماضي على الاردن، وتركيا، والنرويج، وفنلندا وفرنسا.

ليس معروفا كيف يمكن اقناع حماس بالجلوس علناً الى طاولة المفاوضات مع اسرائيل، ذلك ان حماس تقودها ايديولوجية، وليس الاحساس الوطني الذي يمكن ان يقبل بتسوية. هناك اعتقاد ديني أصولي يحدد أهداف حماس، مثلها مثل المتطرفين في الاديان الاخرى، ومن الصعب اقناع متدينين متشددين في ظل الاوضاع القائمة الآن في المنطقة على تليين افكارهم، وتقول حماس انه غير مسموح لها التوصل الى تسوية سياسية، ويوم الاثنين الماضي لم يتردد وزير خارجيتها محمود زهار وهو في ماليزيا البلد الاسلامي المعتدل من الاستهزاء من طرح الاعتراف باسرائيل، كما ان بيان سجناء الجهاد الاسلامي الفلسطيني استغرب صدور اقتراح من سجناء من حماس وفتح يدعو الى حل الدولتين، وسألوا في بيانهم: وماذا عن الاراضي المحتلة عام 1948؟

إن موقف حماس يشبه موقف المستوطنين الاسرائيليين، كلهم يعتبر الارض ملك الله، ولا يمكن المساومة حولها او تركها، لكن المستوطنين يغادرونها كما حصل اثناء الانسحاب الاسرائيلي من غزة، وكما سيحصل في بعض مناطق الضفة. والمشكلة مع حماس انه بسبب توجهها الديني غير مستعدة للتوصل الى تسوية حول الاتفاقيات التي وقعها الفلسطينيون مع اسرائيل سابقاً. هذا الموقف في الواقع لن يؤدي الى حل، وليس طرحها الهدنة بحل، لان تفسير الهدنة حسب مفهوم الاطراف الاخرى بمثابة وقف لاطلاق النار، فاذا كانت حماس غير مستعدة لاحترام الاتفاقيات السابقة فكيف يمكن لاسرائيل والغرب (الضامن والممول)، ان يثقا بانها ستحترم اتفاقية الهدنة. واي طرف سيقبل ان ترفض حماس كل الاتفاقيات السابقة ويقبل هو بالتالي اقتراحها الهدنة؟

هنا نأتي الى الرأي العام الفلسطيني الذي انتخب حماس. الفلسطينيون شعب مسيّس، بسبب تجاربه الكثيرة ومعاناته في المخيمات وتحت الاحتلال، لذلك عندما صوتوا لحماس لم يفعلوا هذا احتجاجا على الفساد او على القيادة السيئة فقط، فاضافة الى كل هذا كانوا يصوتون لحماس وبرنامجها وميثاقها، بمعنى الحرب الطويلة مع اسرائيل. وقد يكون فوز حماس شكّل صدمة لاسرائيل، لكن من يسمع المسؤولين المصريين والاردنيين في جلسات مغلقة وما يقولونه عن حماس وتوجهاتها يعرف اسباب التخوف من حرب اهلية فلسطينية، او من حرب فلسطينية (حماس) ـ اسرائيلية.

في هذا الجو المرتبك يطل محمود عباس طارحاً نفسه كمستعد للتفاوض مع اسرائيل في هذه المرحلة، لكن العارفين بالواقع على الارض الفلسطينية وفي اسرائيل يقولون بثقة مطلقة: «انه لا يمكن التوصل الى سلام مع الفلسطينيين من دون مشاركة حماس. هناك حاجة ضرورية لها، واذا لم تغيّر حماس من افكارها واهدافها فلن يكون هناك سلام، وبالتالي لن يقوم سلام اذا ما اتفقت عليه اسرائيل وفتح فقط. وكما قال لي ديبلوماسي عربي، لقد انتهى تقريبا دور فتح: «سيبقى هناك اشخاص من فتح، او مجموعات صغيرة متفرقة لكن التاريخ يعيد نفسه، والتجربة حصلت من قبل عندما برزت فتح وانهت احمد الشقيري وحماس اليوم تكرر الامر نفسه وان اختلفت الاسباب. ويضيف محدثي: «وبسبب قصر نظر حماس السياسي قد تحل كارثة بالشعب الفلسطيني، لأن اهداف حماس أبعد من مصلحة الشعب الفلسطيني ولن تتحقق».

إن التطرف يؤذي الشعب الفلسطيني، وانشغال حماس بصراعها مع فتح وانتشار الميليشيات المتعددة الولاءات سيزيد الاوضاع سوءاً ويوفر الفرص لاطراف خارجية بالتدخل مثل حزب الله ، وايران والقاعدة، ولكل من هؤلاء هدفه، وليس مستقبل الشعب الفلسطيني بين هذه الاهداف.

على كل ان الصراع الآن مفتوح ما بين حماس وفتح، وما بين قادة حماس في الداخل وقادتها في الخارج. قبل طرح عباس للاقتراح الذي صاغه قادة فلسطينيون في السجون الاسرائيلية، قال في 25 من نيسان(ابريل) اثناء وجوده في اوسلو انه مستعد للعودة الى طاولة المفاوضات مع اسرائيل، وان قيام حكومة من حماس لا يُعتبر عثرة امام عملية السلام، لأن منظمة التحرير الفلسطينية لديها السلطة للتفاوض مع اسرائيل طالما انها الموّقعة على الاتفاقيات. جاءت اقوال عباس بعد اجتماعات عقدها الزهار في قطر مع مجموعة من النواب العرب في الكنيست الاسرائيلي على رأسهم عزمي بشارة. أثارت هذه الاجتماعات ردود فعل على الساحة السياسية الاسرائيلية، لكن الحكومة لم تتخذ اي اجراء بحق النواب العرب. لا بد ان تكون الحكومة الاسرائيلية سمحت بهذه الاجتماعات، كعادتها في المهمات التي يتولاها عزمي بشارة، فهي تعرف محدودية تأثير عباس وكذلك المصريين على حماس، لهذا رأت من الافعل الاتصال مباشرة مع حماس.

واذا كان هذا القرار الاسرائيلي لا يقلق القاهرة، الا انه اقلق عباس وهذا يفسر جهوده لدفع الاسرائيليين للتفاوض معه، فهو كان قبل شهرين اقترح على مسؤولين اميركيين واسرائيليين محادثات سلام سرية فلسطينية ـ اسرائيلية موضحا اعتقاده بامكانية التوصل الى اتفاق خلال سنة. يومها كان رد رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود اولمرت بأن عباس زعيم فاشل، ولأنه اعترف بعلاقات طيبة تربطه به قال: «لا يمكن ان احدد علاقات اسرائيل مع السلطة الفلسطينية بناء على تعاطفي مع شخص معين. لقد فشل عباس في مواجهة اكبر تحد له وهو مكافحة الارهاب». وقال الناطق باسم الخارجية الاسرائيلية مارك رجيف: «ان السلطة السياسية الحقيقية لم تعد بيد عباس ورفاقه، بل انتقلت الى حماس، ولن تكون هناك محادثات سلام مع عباس قبل ان تعترف حماس باسرائيل، وبالاتفاقيات الموّقعة وتنبذ العنف».

منذ فوز حماس وتحوّل فتح الى كتلة معارضة في البرلمان الفلسطيني، وعدم استعداد اسرائيل للتعاطي معه ازداد تفكير عباس في مستقبل دوره كرئيس للسلطة الفلسطينية، وهذا يفسر خطواته الاخيرة في سحب سلطة حماس عن قوات الامن الفلسطينية واقتراحه على واشنطن خطة بجعل الحرس الرئاسي بحدود 10 آلاف شرطي تكون مهمتهم حراسة الرئيس واعوانه، والحدود مع مصر والاردن ومنع اطلاق الصواريخ من شمال غزة على اسرائيل. وكذلك اعلانه ان لديه السلطة لإقالة الحكومة وحل البرلمان اذا ما اضُطر. لقد استغل عباس عدم رغبة حماس في تعديل موقفها من اسرائيل كوسيلة لتقوية سلطاته وسلطات فتح، كذلك استغل الطرح القائل ان السلطة الفلسطينية في الاراضي تخضع لمنظمة التحرير الفلسطينية (حماس ليست عضواً)، من اجل اعادة بعض ماء الوجه لفتح بعد هزيمتها في الانتخابات.

الآن جاء بيان الاسرى، والخوف ان يصاب عباس بهزيمة جديدة اذا ما رفضت حماس فكرة الاستفتاء، او وهي الخبيرة في تحريك الحملات الانتخابية، اقنعت الشعب الفلسطيني برفض الاقتراح. ماذا سيكون الثمن الذي سيُفرض على الشعب الفلسطيني اذا ما تأكد للعالم تمسكه بحماس ورفضه السلام. هذا مجرد افتراض، لأن اسرائيل تنظر الى افق ابعد، فهي ترى خطر القاعدة يقترب من كل الجهات، وتشعر ان الجهاديين يحاولون الدخول على مسرح الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي من مصر، والعراق (عبر الاردن)، ومن الخليج وحتى من لبنان، لذلك ستحاول التوصل الى نوع من التأقلم مع حماس ـ وقد بدأت اصوات اسرائيلية امنية تدعو حتى الى قبول اقتراح الهدنة ـ التي لا تريد ان تهدد القاعدة حظوظها السياسية او تقطفها، وعندها لن يكون سهلا على جهاديي القاعدة استهداف اسرائيل اذا ما سيطرت حماس على الاراضي الفلسطينية. ثم ان اسرائيل حتى الآن لم تعط رأيها في الاستفتاء.

من ناحية اخرى تشعر قيادة حماس في المنفى التي يقودها خالد مشعل من دمشق بالقلق مما سيحمله المستقبل، لأن الضغوط على حكومة حماس ستتضاعف لتليين موقفها. قد لا تكون الحكومة مستعدة لتقديم تنازلات في العلن لاسرائيل، وقد يكون الاستفتاء وسيلة لايجاد مخرج. على كل، ليس من مصلحة حماس ان تتفكك بنية السلطة الفلسطينية وتجرف معها النظام الاجتماعي الذي اقامته الحركة. هذا التنوع في الاهتمامات ما بين حماس الداخل والخارج، قد يفضي الى احتمال الانشقاق في صفوف حماس.