شعراء مقاتلون لا قاتلون!

TT

يقول أحد مساعدي الجنرال ويفل قائد القوات البريطانية في معركة العلمين، إنه طلب منه المسدس الخاص به وهو من طراز براوننج، فظل يبحث عنه في كل مكان فلم يجده، واندهش فما حاجة الجنرال إلى هذا المسدس؟ من المؤكد أنه لن ينتحر وقد كسب معارك تاريخية فاصلة في الصحراء المصرية.

وفوجئ مساعد الجنرال بأنه لا يريد المسدس وإنما هو يريد ديوان الشاعر براوننج؟!

ومن الغريب أن المارشال روميل كان يطلب من مساعده الجنرال اشتومه أن يقرأ له قصائد للشاعر الألماني جيته، وكانت المدافع تدوي والقنابل والعواصف، وروميل يناقش المعاني الجميلة للشاعر العظيم!

وكان نابليون أيضا وفي قلب المعركة ينام على حصانه ويملي أكثر من خطاب في وقت واحد، وأحيانا يسأل عن معاونيه لعل أحدا منهم يقرأ له شعرا لاتينيا قديما، وأحيانا يطلب إليه أن يغني إن كان صوته جميلا، والحرب مستعرة والنار تأكل نفسها وغيرها!

قال تشرشل في تعليقه على انتصار روميل على الجنرال ويفل: إن روميل نزع تاج الغار من رأس ويفل وألقى به في الرمال وطلب من الذين حوله أن ينظموا أغنية عن ذلك!

وهناك عبارة شهيرة للزعيم الصيني ماو تسي تونج: لا ثورة بغير شعر! أي لا بد من الخيال ومن الفن الجميل لرسم صورة للمستقبل، الصورة سوف تصبح دموية بعد ذلك، ولكن يجب أن تكون الصورة جميلة أولا، وأن يكون الثائر شاعرا فنانا، والباقي سهل!

والإمبراطور الطاغية كاليجولا كان يتذوق الشعر، وكذلك الطاغية نيرون كان ينظم الشعر وكان يغني، وما قيل عن أنه أحرق روما وراح يغني صحيح، فقد أعجبه منظر النيران ودخانها وألوانها المتداخلة وكان يقول: لا يقدر على ذلك إلا فنان عظيم مثلي!

وفي التاريخ عرفنا رب السيف والقلم: شعراء مقاتلون، شعراء حاربوا ولم يسكتوا عن الظلم، وهم كثيرون في كل لغة.

وكان الأستاذ العقاد يحكي عن طفولته في أسوان، وكيف كانت تقوم المعارك بين الطلبة الصغار وكيف أنهم كانوا يتبارزون بالشعر وفي أيديهم سيوف خشبية، وكان العقاد يقول: من السهل أن يكون الشاعر مقاتلا، وليس من السهل أن يكون المقاتل شاعرا، لأن الشاعر لديه إحساس بالحياة والجمال والحب والسلام، وكان يضرب مثلا لذلك، المتنبي وسامي البارودي وهواة القتال من مثل نيرون وسانت اكزبيري ومالرو. والشعر هو الذي جعلهم مقاتلين لا قاتلين!

ويوم 4 يونيو سنة 1967 كنت في جبهة القتال مع الفريق مرتجي قائد القوات المصرية عندما جاءه كتاب من الماريشال مونتجمري ومعه كلمة إهداء رقيقة يقول فيها: أرجو أن تجد وقتا لتقرأ هذه الملحمة وسوف تعجبك! وكتاب آخر «مختارات من الشعر الإنجليزي» إنها هدية جاءت قبل اشتعال حرب 1967 بيوم واحد ولم يخطر على بال الماريشال مونتجمري أن الحرب تمنع أحدا من قراءه الشعر أو الاستمتاع به!