الروائح المعلبة

TT

ما زالت شركات الاعلان والدعاية تفتش عن كل وسيلة للتغلغل في حواس الزبائن. اكتشف احدهم ان وسائل الدعاية تغافلت عن حاسة واحدة هي حاسة الشم التي يعتمد الكثيرون على آثارها حتى ان الخاطبات اعتدن على شم العروس جيداً قبل خطبتها، مما يفسر نجاح زواج زمان الأوائل. تغطي الفتاة الآن على حقيقة رائحتها باستعمال العطور.

اهتدى خبراء الدعاية الآن للطريقة التي كان اجدادنا يزوجون بها بناتهم. يعرف كل صاحب سيارة انه عندما تسلم سيارته الجديدة كانت لها رائحة معينة، هي على الأكثر رائحة جلود المقاعد. تختفي هذه الرائحة بعد زمن وتصبح السيارة عديمة الرائحة. بعد بضع سنوات تظهر فيها رائحة جديدة، رائحة الدهون والدخان. التفتت لذلك احدى الشركات فراحت تصنع رائحة السيارة الجديدة وتبيعها لأصحاب السيارات القديمة. حالما يكون عندك ضيف مهم يركب سيارتك، تبادر قبل مجيئه إلى رش داخلها برائحة السيارة الجديدة.

سرعان ما تلاقف الآخرون هذا الابتكار فراحت تصنع انواع العطور للاستعمالات الدعائية. هناك مئات المؤسسات تستعمل الآن هذه العطور، منها شركات سياحة تعطر مكاتبها برائحة جوز الهند. يدخل الزبون فيشعر وكأنه في تايلاند أو الفلبين وسواهما من بلدان السياحة الاستوائية.

يحب الكثيرون رائحة العشب، المقطوع تواً. انه يوحي بالطراوة والطزاجة فطنت لذلك احدى شركات الفواكه والخضروات فابتاعت مئات اللترات من رائحة «العشب المقطوع» وراحت تعطر بها متاجرها. لا أدري متى ستفطن الحسناوات لسحر العشب المقطوع فيدلكن جبينهن برائحته ويخرجن للحفلات الراقية.

الرائحة الطبيعية الوحيدة الأخرى التي تنافس رائحة العشب في تأثيرها على مناخرنا هي رائحة الخبز في التنور. تستعمل هذه الرائحة الآن كثيراً في المطاعم ومخازن الأطمعة ببث تيار هوائي متواصل في جوانب المخزن يحمل الى انوف الزبائن رائحة شواء الخبز.

تنبه اليابانيون لهذه الظاهرة واثرها في زيادة الانتاج. وجدوا ان رائحة بعض النباتات تبعث الهمة والنشاط فاقتنت الشركات براميل معبأة بها وراحت تنشرها في ورشات العمل. اما الانجليز فقد فطنوا الى اختلاف الروائح حسب الموسم، فراحوا يبثون رواح شواء الكستناء والبلوط عند بيع الملابس الشتوية ورائحة الفراولة والكرز عند بيع الملابس الصيفية، وهلمجرا.

ولم يكن العراقيون متخلفين في هذا الصدد عن ركب الحضارة المعاصرة، فقد سمعت أخيرا ان شبابهم الطامحين للمجد والمناصب اخذوا يعطرون ملابسهم بالبخور كلما اقتضى عليهم حضور مقابلة لوظيفة أو التفاوض مع المسؤولين للحصول على مقعد في المجلس، بل وسمعت ايضاً ان الكثير من المرتشين والمختلسين اخذوا يعطرون دولاراتهم بالبخور.