حتى لا تأتي حرب «الأيام الستة» بيومها السابع! العرب مهزومون في حاجة إلى إشفاق وليسوا طلاب سلام جديرين بالاحترام.. هكذا ينظر إليهم العالم

TT

عملية السلام لم تمت، لكن ماهية السلام تبدلت أو بالأحرى توضحت حتى صح القول: وليس يصح في الإفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل. هذا السلام، الذي صار قصيدنا هو، في كلمة جامعة مانعة، قالها شارون، في العمق اللبناني، حيث تتمركز القوات السورية.. هو «السلام الإسرائيلي الخالص». شارون قال، في لغة ينبغي لنا فهمها: «السلام.. هذه هي شروطه الإسرائيلية، فاما أن تقبلوها طواعية وبالمفاوضات، واما ان نكرهكم على قبولها.. بالحرب».

شارون يعلم أن القضية، في عمقها، ليست قضية «مزارع شبعا»، فالهجوم المسلح الذي نفذه مقاتلو «حزب الله» لا يندرج في سياق سعي الحزب إلى تحرير «المزارع»، إنما في سياق سعيه إلى التفلت، ولو قليلاً، من القيود اللبنانية الداخلية والإقليمية والدولية التي تمنعه من نصرة الانتفاضة عملياً. جزار صبرا وشاتيلا يريد الاستمرار في ذبح الفلسطينيين، ويريد، في الوقت نفسه، البرهنة لهم على ان اسرائيل تقدر ان تمنع أي عربي، ولو اقتضى الأمر استخدام القوة العسكرية، من مدّ يد العون والمساعدة إليهم.

وشارون يعلم أيضا، ان سورية، بوزنها وموقفها وموقعها وبالعلاقة الاستراتيجية التي تربطها بإيران و«حزب الله» وبتحسن علاقتها بالسلطة الفلسطينية وبقيادتها الشابة وخطابها السياسي الجديد، تستطيع تغيير المعادلة الاستراتيجية للسلام والحرب في المنطقة.

«اليوم السابع» هذا الخطر الاستراتيجي السوري الكامن هو الذي يريد شارون، الآن درأه، فحربه في الضفة الغربية وقطاع غزة يجب توسيعها لتشمل سهل البقاع اللبناني.. ولتشمل سورية ذاتها ايضا.

والأمر لا يحتاج إلى ذكاء حتى نخلص إلى الاستنتاج الآتي: إذا تمكن شارون من تحطيم «العقبة السورية» عبر الحرب، فلسوف يتحول ما يسمى «دول الطوق» إلى «مجال حيوي» لدولة «إسرائيل العظمى».

الرسالة التي أبلغتها إسرائيل إلى سورية كانت في منتهى الوضوح وباللغة العربية الفصحى: لن نسمح لكم ولا لمقاتلي «حزب الله» بأي تحرك لنصرة الفلسطينيين وانتفاضتهم.. لقد ضربناكم في عقر داركم، ولتتجرأوا أنتم وقمتا «القاهرة» و«عمّان» على الرد! انها دعوة اسرائيلية صريحة إلى الحرب موجهة ليس إلى سورية فحسب، إنما إلى كل الدول العربية. اننا لا ندعو إلى ردة فعل سورية، إنما إلى فعل عربي جماعي يكون الرد السوري جزءا منه، فضرب سورية لن يكون سوى «اليوم السابع» لحرب الأيام الستة.

ينبغي للدول العربية جميعاً، الآن، إذا ما كانت لديها الرغبة والمصلحة في أن تمنع علاقتها بإسرائيل من أن تكون نسخة من علاقة دول أميركا اللاتينية بالولايات المتحدة، ان تقف الى جانب سورية ولبنان والفلسطينيين وقفة مختلفة عن وقفاتها في قمتي «القاهرة» و«عمّان»، فالذي ضرب ليس محطة رادار سورية أو موقع صواريخ، إنما عمق الأمن القومي العربي، فهلا ادرك العرب ذلك قبل فوات الأوان.

ان اخشى ما نخشاه ان يخرج من بين ظهرانينا من يقول: ان سورية دولة عادية مثلما «الأقصى» مسجد عادي! لقد قرر شارون «تغيير قواعد اللعبة»، فكانت الغارة الجوية الإسرائيلية على موقع عسكري سوري في لبنان إيذاناً ببدء هذا التغيير.

لكن تغيير قواعد اللعبة ليس سوى جزء من كل، تَغيّر ويَتغيّر، فالسلام كانت له مرجعيته الدولية التي صارت أثرا بعد عين، وكان له راعيان دوليان، ثم راع واحد، وكان له وسيط، من كثرة ما تمنينا عليه أن يكون نزيها ازداد انحيازا الى اسرائيل، ثم تخلى، من تلقائه، عن دور الوساطة متحولا إلى شريك كامل لحكومة شارون في جرائمها وفي عدوانها المستمر والمتعاظم على السلام وعلى الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين. وكان للعرب شريك إسرائيلي في السلام، فكف عن الوجود، ثم شرع يخاطب العرب قاطبة بلغة القوة العسكرية.

العرب في نظر العالم وسرعان ما أخذت هذه الفصول من المأساة تنتج فصولاً من المهزلة، فنحن وحدنا نتشبث بمرجعية مدريد وبخيار السلام، في وقت تتحدانا فيه حكومة شارون على أن نمارس، فقط، حقنا المشروع في الدفاع عن النفس. انها مهزلة، لأننا نتوهم أن مقارعتنا لخيار العدوان والحرب بخيار السلام سيجعل العالم ينظر إلينا على أننا طلاب سلام جديرون بالاحترام والتقدير، لكن الحقيقة التي لا تشوبها شائبة من الوهم ان العالم قاطبة ينظر إلينا على اننا ضعفاء مهزومون لا نستحق سوى الشعور بالاشفاق.

وانها لمهزلة لأننا لم نجد ردا افضل على انتهاء دور الوسيط الأميركي وغياب «الشريك الاسرائيلي» واندثار مرجعية مدريد سوى ان نبقى شريكا لا شريك اسرائيليا له في السلام، وان نتولى ايضا، دور الوساطة والتقدم بمشاريع وخطط لاستئناف مفاوضات السلام.

قبيل توجه وزير الخارجية الأردني عبد الإله الخطيب الى اسرائيل وقعت الغارة الجوية الإسرائيلية على الموقع العسكري السوري في لبنان، وبعيد مغادرته لها كان العدوان الإسرائيلي الأعنف على قطاع غزة.

بالغارة الجوية قال شارون للوزير العربي: لا تأت إليّ، وقال لسورية: تعالي إلى الحرب. وبالهجوم على قطاع غزة قال شارون للفلسطينيين: لا تتوقعوا أن تأتي الزيارة بغير هذه النتيجة.

هل تمكنا عبر هذه الديبلوماسية من ارغام شارون على الجنوح للسلام؟ كلا، فهذا الرجل ازداد إصرارا على المضي قدما في محاولته ارغامنا، بالقوة العسكرية، على الجنوح للاستسلام.

الزيارة كان يجب أن تلغى، وان تكون لسورية بدلا من اسرائيل، و«المبادرة» كان يجب طي صفحتها. اما «دول الطوق» فكان ينبغي لها أن تجتمع، في الحال، في دمشق لتعلن من هناك انها لن تسمح لإسرائيل بأن تبني أمنها القومي على انقاض الأمن القومي العربي، ولن تسمح لمعاهدات واتفاقات السلام بأن تتحول الى معول هدم لأمننا القومي.

ان شارون يحاول البرهنة للإسرائيليين على انه يستطيع بالقوة العسكرية ان يجلب إليهم الأمن والسلام الذي يريدون. الرد العربي، حتى الآن لم يؤد عمليا، إلا إلى تشجيع شارون على المضي قدما في محاولته تلك.

والراهن أن الرد العربي المضاد، الذي يخدم قضية السلام ومصالح الأمن القومي العربي في آن، يجب أن يأتي بنتائج تقنع اسرائيل بأن نهج شارون لن يجلب لها لا السلام ولا الأمن. هذا الرد هو وحده الرد الواقعي والصحيح، لكن..

* كاتب فلسطيني