اصبروا على هؤلاء

TT

في حمأة الغضب الذي يجتاح جوانحنا من مسببي المتاعب في حياتنا نظن انهم «شياطين» لا خير فيهم وهذا غير صحيح فلطالما كان الفرد المزعج في حياتك الاسرية او الوظيفية هو صاحب الرأي السديد والنظرة الثاقبة، عليك ان تتحقق من شخصيته بهدوء تجد انه يحتفظ بمزايا قد لا تتوفر في كثير من الناس.

في كتابه الممتع «كيف تنتصر على ذوي الطباع الصعبة؟» يذكر آرثر سميث ان مسؤولا كبيرا في احدى الشركات شعر بالحنق تجاه موظف لديه فقد كان مصدرا دائما لإحباط العزائم وما من شخص عمل مع هذا الموظف إلا وكواه بعبارة لاذعة او سفه رأيه بعبارة جارحة، فكأن الجميع في ذهنه حمقى، وهو الاوحد على الصواب دائما! فمن يطيق التعامل مع مثل هذا الآدمي؟ هذا الموظف الذي يبعث على النكد بطباعه الشرسة هو ذاته الذي وفر على شركته التي يعمل فيها عشرة ملايين دولار بسبب اعتراضاته (وملاسناته). ولسبب ما قرر هذا الموظف (المشاكس) الانتقال الى شركة اخرى اغرته بوظيفة افضل، فكان من الطبيعي ان يتنفس بقية الموظفين الصعداء، لكن من الواضح ان الاحساس بالفرحة كان شعورا انانيا، اذ ان الشركة فقدت عقلية كبيرة، ولهذا يقول مدير الشركة ان اياماً تمر عليهم يتمنون فيها لو ان زميلهم النكد قام بمراجعة الحسابات للتوفير على الشركة ولو نغص عليهم يومهم ذاك.

ويحضرني في هذا السياق توجيه نبوي كريم على صاحبه الصلاة والسلام، اذ يقول «لا يفرك ـ اي لا يكره ـ مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي بآخر»، هذا إن كان في العلاقات الزوجية الا انه توجيه قابل للتطبيق في المحيط الاسري والوظيفي والاجتماعي. والحصيف منا الذي يحاول ان يكظم غيظه ويتحلى بالصبر مع هؤلاء المتعبين واستثمار ما لديهم من طاقات وخبرات.

مثل هؤلاء الذين يخلطون مزايا طيبة واخرى سيئة مثل الدواء المر تتجرع مراراته في سبيل نفعه وشفائه، ان من الظلم الذي نمارسه ضد هؤلاء النكدين المنكدين اننا نجردهم ـ بسبب غيظنا ـ من جميع خصالهم الايجابية ويجرمنا شنآنهم ألا نعدل في الحكم عليهم فيصبح القادر منهم معتوها لا قيمة له، ويتحول صاحب المبادرة ـ وهؤلاء ندرة ـ الى شخص احمق اخرق، ويبدو قوي الشخصية، منهم ذو القرار الحاسم جلفا لا يطاق، اننا نصاب بالعمى عن رؤية الجوانب المضيئة في شخصيته، ونصم آذاننا عنه وعن آرائه مع ان بعضها درر، ونبرر هذه المواقف السلبية على انها غيرة على العمل وعلى المهمة التي اوكلت الينا. ولو انصفنا انفسنا قبل غيرنا لأدركنا اننا بإقصاء هؤلاء القادرين ولو كانوا متعبين نضر بمهامنا ومسؤولياتنا. ان من اليسير ان ننفذ خططنا بمساعدتهم وبأفكارهم لو اننا تجملنا بالصبر وتحلينا بالحلم وعرفنا كيف نتعامل معهم.. وخلاصة القول إن البارع فينا الذي إن كره من هؤلاء النكدين خلقا رضي بآخر.