تجارة أم ديمقراطية؟

TT

الشرط الذي وضعه زعماء الاميركتين في قمتهم في كيبك التي حفلت بمصادمات واشتباكات دامية مع مناهضي العولمة بجعل الديمقراطية شرطا للانضمام الى منطقة التجارة الحرة التي ينوون تأسيسها بين دولهم بحلول عام 2005 قد يشكل سابقة في ان زعماء دول يضعون شرطا سياسيا يمس سيادة دول، علانية وبوضوح شديد، لكنها ليست المرة الاولى التي يُطرح فيها هذا الموضوع في مفاوضات تجارية.

واذا اخذنا مثالا من المنطقة التي نعيش فيها، فان احدى النقاط مثار البحث بين الاتحاد الاوروبي والدول العربية المتوسطية الموقعة على اعلان برشلونة في مفاوضات الشراكة الاقتصادية هي مسألة حقوق الانسان والحريات، وقد كانت احدى النقاط الخلافية في المفاوضات لان الرؤى تختلف حول هذه المفاهيم، كما انها ترتبط بدرجة تقدم المجتمع سياسيا واجتماعيا.

ويبدو شعار الديمقراطية جميلا في حد ذاته، فلا احد يكره ان تعيش كل شعوب العالم في حرية وديمقراطية، لكن المخاوف هي ان يكون استخدام هذا الشرط لأسباب سياسية معينة، او استخدامه بشكل متعسف بما يضر مصالح شعوب ودول تطمح إلى التقدم، لكنها لم تصل الى درجة الاستقرار المجتمعي الذي يسمح لها بديمقراطية كاملة او لا تناسبها ديمقراطية على الطراز الغربي.

فهناك شبه قناعة لدى السياسيين والمتخصصين بأن تحسن احوال حقوق الانسان والحريات والديمقراطية يرتبط بمدى تحسن الاوضاع الاقتصادية في الدولة المعنية، في حين ان هناك ارتباطا بين مثلث الفقر والجهل والافتقاد الى الحريات. وهناك دراسات اجريت من قبل متخصصين ومؤسسات دولية حول ايهما يسبق الآخر: التعددية والانفتاح الاقتصادي ام التعددية والانفتاح السياسي، وخرجت بنتيجة ان انفتاح السوق يقود عادة في النهاية الى انفتاح سياسي بينما العكس غير صحيح، واقرب مثال من المنطقة على ذلك هو السودان الذي شهد انتفاضة عام 1985 ادت الى انتخابات وجو سياسي صاخب استمر اربع سنوات، ثم حدث انقلاب اوقف كل هذا ببساطة وسهولة.

ولان هناك تباينا في درجة تطور المجتمعات ومفاهيمها وثقافاتها، فانه يصعب ايجاد صيغة واحدة لتطبيق الديمقراطية، وان كان الجوهر يجب ان يكون واحدا.

ايضا، فان هذا التباين يفرض ان يكون هناك تفاهم عالمي حول قضية الحريات والديمقراطية بما يراعي التباينات في درجة التطور والمفاهيم، بحيث لا تفرض ثقافة نموذجها على الآخرين، ولا يحرم احد من مزايا التجارة الحرة وامكانية التقدم الاقتصادي طالما كانت لديه المبادئ الاساسية في مجال احترام حقوق الانسان. من جانب آخر، فان التركيز على السيادة واحترام خصوصية كل دولة يجب ألا يكون سببا في منع التطور الطبيعي للمجتمع في مجال توسيع الحريات، فاذا كانت للتقدم الاقتصادي اولوية، فانه لا يكتمل الا ببناء سياسي منفتح يحميه.