جماليات تاريخية ومعاصرة

TT

لا تسأل ما الفرق بين الجمال القديم والمعاصر؟ ولا عن الرابط بين كليوباترا، ومعرضها ومسابقة ملكة جمال مصر، التي جرت مطلع هذا الاسبوع فقد حرن (حمار ذوقي) ولم يشأ ملاحظة الفروق بين الجمال التاريخي في المتحف البريطاني، والجمال المشخص على شاشة «ال. بي. سي» التي يسميها بعض الخبثاء (اخ. ل. عي) على سبيل التندر وتسمية الشيء بضده، وهي طريقة شائعة عند العرب الذين كانوا يسمون الجميلة قبيحة ويطلقون صفة الملدوغ على السليم.

ان التناقضات الفاضحة تربك الاذواق وان كانت سليمة، وان شئت ان تستمتع بصريا بما هو امام عينيك، فالمفروض الا تفكر، لكن من ذا الذي يمنع الغريزة المدربة على الالتقاط من ملاحظة ان ثلث المتسابقات تقريبا في حفل ملكة جمال مصر كن يحملن اسماء على غرار سارة وايلينا وناتالي.

ولا اريد ان ازيدك من الشعر بيتا، ومع ذلك لم استطع الا ان الاحظ ان موسيقى الاستعراضات ايضا كانت اجنبية بالكامل دون جملة موسيقية مصرية واحدة الا ذلك اللحن القصير لأم كلثوم الذي جاء في الاستراحة وليس ضمن العروض المكررة. ومصر، ما شاء الله بلغة الشوام، وتبارك الله بلغة الجزائريين، لا تشكو من نقص الموسيقى الصالحة لاستعراض الجسد الانثوي، فنصف نساء العالم العربي يرقصن على الالحان المصرية وحين تأتي مسابقة ملكة جمال مصر يتحول اللحن الى الطلياني والاميركاني، فإيه الحكاية يا استاذ سلماوي؟

وفي تقدير المنصفين والمحايدين فان المصريين كان يجب ان يغضبوا للوجوه التي ظهرت في تلك المسابقة، لا لوصف بعض المتحفيين البريطانيين للملكة كليوباترا بانها لم تكن جميلة. ان بعض الوجوه التي ظهرت في تلك «الليلة الليلاء» هي التي تسيء للجمال المصري، فمع امثال بعض هاتيك المتسابقات اللواتي قدمن قطعا بفطار «الكوسا» من السهل ان يفوز سيد زيان نفسه في مسابقة اختيار ملكة الجمال.

اما كليوباترا، فالتهمة بحقها تاريخية وليست حديثة، ومن غضب كان يجب ان يغضب من مؤرخين قارنوا انفها بالباذنجان واذنيها بمفارش الطاولة، لكنهم لم يجرأوا على مس عناصر الجمال العميقة القابعة على مسافة ابعد من الشكل الخارجي. ان الذين ينظرون الى جمال الشكل وحده، معزولا عن بقية صفات الانوثة، يسيئون للجمال الانثوي الذي يتوزع على صورة وصوت، وذكاء، وحضور، وكان عند كليوباترا من هذا كله الكثير، فها هو بلوتارك المؤرخ الروماني يركز على صوتها بعد ان وجد ان صورتها ـ مش ولا بد ـ فيقول عنه: «وكان مما يلذ للانسان ان يسمعه موسيقى صوتها الذي كان يشبه آلة وترية تختلف فيها الانغام».

ولم يقل بلوتارك ان ربع الانوثة بالصوت لكن هذه حقيقة متداولة داخل المسابقات وخارجها، وما دمنا قد بدأنا بالتربيع فالربع الثاني للشكل الخارجي ثم يأتي الذكاء والحضور، فبعض النساء تحضر معهن الكهرباء، ويكهربن الغرفة ـ بالمعنى الايجابي ـ بمجرد دخولهن، وبعضهن يدخلن ويجلسن، ويخرجن، فكأنهن لا دخلن ولا جلسن ولا خرجن، ويا دار ما دخلك شر ولا خير.

لقد كانت عبقرية كليوباترا الاساسية في ذكائها، فالذكاء يخلع على صاحباته هالة الجمال، ويحيطهن بالسحر والجاذبية، والجمال دون ذكاء كالبطاطا الباردة او كالتماثيل الرخامية التي تعديك بالبرودة فان لمستها او اكتفيت بالنظر اليها وصل اليك ذات الشعور الرخامي المقلق، الذي يبث التثاؤب في الاعصاب.

وقد صدق من قال «لا توجد امرأة غير جميلة، فطبقات الجمال بالعشرات والمئات لكن اسوأ انواع الجمال ذاك الذي يكون بلا روح، ومن سخريات القدر ان مسابقات ملكات الجمال لا تركز الا على ذلك النوع الجامد من الجماليات الانثوية التي تعجب الكاميرات، ونادرا ما تمس شغاف الانسان السوي.