عرفات ونفوذه

TT

تقول جميع الأصوات السياسية في اسرائيل ان ياسر عرفات هو المسؤول عن كل ما يجري في الضفة وغزة. ويقول الملك عبد الله في مقابلة صحافية ان ابو عمار فقد شيئاً من سلطته. ويرى مسؤولون عرب في لقاءات خاصة ان قيادة جديدة بدأت تتشكل في الأراضي الفلسطينية.

وقد تحدثت قبل ايام بالهاتف الى الاستاذ محمود عباس (ابو مازن) وسألته الى اين تسير الأشياء، وقلت له قلوب العرب عندكم، فقال «كل حق يجب ان يبقى متحركاً الى ان يتحقق. نحن متعبون لكننا لسنا منهكين».

بصرف النظر عن تقييم نفوذ ابو عمار وسلطته، وسواء كانت مطلقة ام منقوصة، فالرجل هو رئيس فلسطين. وهو قبل ذلك رمز الثورة والكفاح المسلح ثم النضال السياسي المزدوج. وأبو عمار هو الرجل الذي طارد وطارده اسحق شامير واسحق رابين وايهود باراك وارييل شارون، وهو الذي عاد فوقف امامهم مفاوضاً ونداً، مهما كان حجم الضعف الفلسطيني والسطوة الاسرائيلية.

واذا كان الملك عبدالله يقول ان ابو عمار فقد شيئاً من سلطته كنوع من الدفاع عن وضع الرئيس الفلسطيني أم لا، فان المسألة الآن ليست زعامة ابو عمار ولا خلافته. وفي النهاية رفاقه وأهل جيله وفي طليعتهم ابو مازن يتصرفون على انهم تحت مظلته، و«الجيل الجديد» من اهل الداخل، وفي طليعتهم مروان البرغوتي يتصرفون على انه رمزهم الاول. وفي هذا الفصل القاسي والمفترقي من التاريخ الفلسطيني، لا تبدو المسألة مسألة ابو عمار في مواجهة اسرائيل وارييل شارون، بل مسألة ياسر عرفات في اطار علاقاته العربية.

فالمصالحة بين سورية وبينه منتهية والعلاقة مقبلة على تعاون استراتيجي. ولا بد ان تكون هذه مدخلاً الى مصالحة شاملة للرئيس الفلسطيني. واذ اكتب هذه السطور من الكويت اتمنى ان تكون احداث فلسطين سبباً في تحقيق المصالحة بين ابو عمار وقصر السيف. ولا مفر من مسؤولية الرجل في موقف المنظمة من غزو الكويت، لكن الواقع الفلسطيني اليوم وحجم المواجهة مع الاحتلال، يتخطى المرارة الكويتية وما اعقبها طوال عشر سنوات. وانا اعتقد ان الشيخ صباح الاحمد الذي قاد مصالحات الكويت بعد الغزو، والذي اطلق الديبلوماسية من عقالها مرة اخرى خلال قمة عمان، هو الذي سيفتح باب المبادرات ويوسع باب المصالحات. وقد عادت الكويت الاجتماعية والسياسية الى سابق عهدها بالعلاقة العضوية مع القضية الفلسطينية. وذلك المناخ الذي خيم على الوسط الشعبي بعد ذهول الغزو، غاب الآن في صورة عفوية، لتحل محله تلك المشاعر القديمة حيال الفلسطينيين وقضيتهم. وفي نهاية المطاف فان المهندس ياسر عرفات انطلق من هنا لكي يؤسس فتح. وهنا كان معه معظم رفاقه المؤسسين. وعندما خرج من بيروت كانت اقامته الرسمية في تونس اما اقامته الحقيقية فكانت فعلاً هنا في قصر دسمان. وصحيح ان غمامة الغزو العراقي لم تكن بسيطة على قلوب الكويتيين لكن المرارة مهما عمقت لا يمكن ان تكون أبدية .