مآسي الأسماء

TT

ما كدت افرغ من سلسلة ما كتبت واقترحت في التسمية والاسماء، حتى قرأت هذا الخبر عن هذه المأساة المروعة التي جرت في اليابان عندما قام رجل ناهز الخامسة والاربعين من عمره بقتل ابيه الذي بلغ الرابعة والسبعين. كلا لم يكن القتل على الثروة او التركة ولا حتى تنافسا على امرأة جيشا. كل ما كان من دافع للقتل هو الاسم الذي اطلقه الاب على ابنه هذا. فالظاهر ان الوالد كان متزمتا في اللغة ومتعمقا بأدبها الكلاسيكي، تماما مثل زميلي داود الزبيدي الذي اصبحت اتهرب منه بسبب اصراره على تأنيبي على كل الاخطاء اللغوية التي اقع فيها.

سمى هذا الرجل ابنه «كنايا» وهي صيغة مؤنثة في اللغة اليابانية توحي للسامع بان صاحبها امرأة. ورغم ان الشباب في اليابان لا ينفسون عن كبتهم بمعاكسة البنات بالتلفون كما يفعلون عندنا، فإنه عانى من هذا الاسم كثيرا. اضطر في الاخير الى تغيير اسمه من كنايا الى كيناما. وهو اسم ذكوري، وان كنت انا شخصيا المس فيه انوثة اكثر مما في «كنايا» ولكنني لا اريد ان اجادل اليابانيين في اللغة. ويكفيني ما اعاني من داود الزبيدي.

مأساة هذا الرجل انه غير اسمه عن كبر. وهذا لا ينفع فالاسماء تبدأ من الصغر. وهذا شيء لم يفهمه الثوريون الذين يصرون على تغيير اسماء شوارعنا. فنحن في بغداد ما زلنا نسمي شارع الملك غازي بهذا الاسم رغم ان الثوريين غيروه الى شارع الكفاح او شارع الثورة او ما ادري ايش. يقال نفس الشيء عن شارع الملك فؤاد في القاهرة. وهكذا استمر الناس في تسمية هذا الرجل باسم كنايا وليس باسمه الجديد كيناما. اليابانيون قوم سلفيون يرفضون التغيير. انها الصفة الوحيدة التي تجمعنا معهم.

تحولت المسألة عند السيد كنايا، او كيناما، كما يفضل ان اسميه، الى معاناة يومية، وراح يحمل اباه جريرة المأساة الشخصية التي عاشها طيلة حياته. ولم يستطع في الاخير غير ان ينتقم لنفسه بقتل ابيه المسؤول عن مصيبته. وهذا هو الدرس الذي كنت انوي لفت نظر القراء اليه. مسألة الاسماء والتسمية. فكروا فيها جيدا فكثير منا سموا اولادهم في مرحلة الايمان بالثورة والتحرر الوطني باسماء مثل كفاح ونضال وثورة وحرية وصامد وثائر والآن يجلس هؤلاء الاولاد ويعانون من هذه الاسماء البالية. تصور انك تذهب لايداع اموالك في بنك يديره رجل اسمه ثائر او تسمح لمعلمة اسمها حرية بتدريس ابنتك.

ازدادت مأساة السيد كنايا هذا عندما احيل الى المحكمة وكشف الادعاء العام سر التسمية. فكنايا باللغة الكلاسيكية اليابانية التي كان الوالد ضليعا بها تعني فضيلة ونبل. وكان بذلك يريد تطبيق الفكرة الفرويدة في علم النفس والتي تقول ان كثيرا من الناس يسعون في حياتهم ان يعيشوا اسماءهم. وهي نظرية ارفضها كليا فعندنا الوف من الناس الكذابين اسمهم «صادق» و«خالص» و«مخلص» و«حقي». كان عندنا وزير في العراق اسمه صادق البصام لم يقل في حياته السياسية كلمة واحدة صادقة. واحذر القراء من شيء آخر. احذر من شراء اي سيارة مستعملة من كراج يحمل اسما مشتقا من الصدق والاستقامة وبعين الوقت اي حزب او منظمة او دولة اشتمل اسمها على كلمة الديمقراطية.

اكبر دليل على خطأ النظرية الفرويدية هو ان هذا الرجل الذي سماه ابوه فضيلة لم يمنعه ذلك من قتل ابيه.