جسور الوفاء بين الرياض وصنعاء

TT

شهدت المدينة اليمنية الساحلية «المكلا»، مشهدا من مشاهد رسوخ العلاقات السعودية اليمنية باحتضانها اجتماعات الدورة الـ17 لمجلس التنسيق السعودي اليمني، والاتفاقيات التي انبثقت عنها كاتفاقية اعتماد الخرائط النهائية لمعاهدة الحدود الدولية بين السعودية واليمن، وغيرها من الاتفاقيات المهمة في بعض المجالات الحيوية كالبيئة والجمارك والطرق.. فهذه الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز إلى اليمن، على رأس وفد سعودي كبير، تعكس نوعية تلك العلاقة بين البلدين التي تدعمها الجغرافيا، ويرسخها التاريخ، وتعمقها العادات والتقاليد المشتركة، فليس ثمة ذاكرة جمعية تربط بين شعبين بقدر تلك الذاكرة التي تربط بين السعوديين واليمنيين.

وقد قادني الاشتغال بالصحافة إلى زيارة لليمن قبل نحو عامين تقريبا، عبرت خلالها المسافة من صنعاء إلى عدن، وما أتذكره الآن أن كل الوجوه التي التقيت بها هناك، بدت مألوفة لدي أعرفها وتعرفني، حتى الأماكن كأن بيني وبينها ألفة سابقة.. هذا الشعور لم يكن شعورا خاصا أبدا، فلا بد أنه شعور عام يمكن أن يستشعره أي سعودي يزور اليمن والعكس، فالخلفية الثقافية والاجتماعية المشتركة بين السعوديين واليمنيين تثري الإحساس بهذه الحميمية المتبادلة.. ففي مدينة جدة التي أسكنها وتسكنني كنا نشعل فتيل الحكاية إذا ما انطفأ النهار مع جيراننا من اليمنيين على ضفاف الشارع العتيق، فيحدثوننا عن أسواق صنعاء، وصهاريج عدن، وتاريخ زبيد، وثقافة تعز، وقد يرتفع صوت أحدهم بأغنية قديمة لجمعة خان:

يا مركب الهند يا بو دقلين... يا ليتني كنت ربانك

وادر بك البحر والبحرين... واجمع المال في خانك

لذا حينما كنت هناك، لم أكن في حاجة إلى دليل يأخذني إلى حوانيت صنعاء العتيقة، فما زلت استنشق رائحة التبغ الذي راح ينفثه ذلك البائع العجوز، وهو يسألني عن فريق الاتحاد وشارع قابل وسوق الندى، ويخبرني كيف عاش في مدينة جدة نصف عمره عاملا في الميناء، وبائعا للعطور في باب مكة، ولم يدعني أمضي قبل أن يهديني خنجرا فضيا صغيرا، ما زلت احتفظ به ذكرى من بلد نحبه ويحبنا..

وهذه المنجزات التي تتحقق اليوم بين البلدين، هي امتداد جميل يطرز تاريخنا المشترك بالوفاء، وجغرافيتنا بالتواصل، فما بين السعودية واليمن ليس جوارا فحسب، ولكنه إخوة وحب وقربى.

[email protected]