مينفعش!!

TT

تيار الاسلام السياسي يتزايد في العالم العربي اليوم وحسب الاحصاءات ايضا تزداد نسبة الفساد في منطقتنا، أي ان الاسلام السياسي يتناسيب طرديا مع زيادة الفساد. السؤال هنا: هل الفساد هو الذي ادى الى تصاعد تيار الاسلام السياسي؟! ام ان التيار الديني هو سبب الفساد؟! الاجابة المدافعة عن الاسلام السياسي تقول ان التيار الديني جاء نتيجة لاستشراء الفساد، وانا لست ضد هذه الاجابة شريطة ان يقبل اصحابها بما يترتب عليها من نتائج منطقية.

معنى ان يكون الاسلام السياسي ردة فعل للفساد هو خلو هذا التيار من أي قيمة اصيلة وانه تيار مفرغ من محتواه الديني، الفساد هو الذي صعد التيار الديني، التيار فقط هو ردة فعل لا توجد إلا بوجود الفعل، فاذا اختفى الفساد (الفعل) اختفى التيار الديني (ردة الفعل) بالطبع هذا ما ينفعش!

اما اذا كان تصاعد التيار الديني هو سبب في الفساد، فهذا يضعنا امام تفسير آخر، هو استخدام الاسلام كغطاء للجريمة المنظمة، كما استخدمت المسيحية في ايطاليا الاربعينات والخمسينات كغطاء لحركات المافيا. وبشكل مقارن بين نتائج التحولات الاجتماعية في دول تنتقل من حالة اقطاعية الى حالة شبه حديثة (ايطاليا والمكسيك) نجد ان تزايد التيار الديني يتبعه زيادة في الفساد والنهب والجريمة المنظمة، وظاهرة بن لادن، والزرقاوي والظواهري من قطاع الرؤوس وقطاع الطرق هي اقرب الى حالة المافيا العابرة للحدود، لكنها مغطاة بغطاء اسلامي. ان نترك هذه الاسئلة معلقة دونما اجابة.. بالتأكيد «ما ينفعش!».

***

«مينفعش» ايضا ان تدعي قناة الجزيرة بأن الحكم الذي صدر في اسبانيا ضد تيسير علوني هو عقاب للقناة على «نفسها المهني» مينفعش ان يشيد الاسلاميون بدول الغرب وحرياتها عندما يحاولون اللجوء الى هذه الدول وبعضهم يرفع يده امام علمها مقسما بقبول قوانينها للحصول على الجنسية، ثم متى ما ارتكب جريمة، حتى لو كانت التخلف عن دفع الضريبة، صاح فينا «هبوا يا امة الاسلام فالاسلام يهان من الغرب»، عندما صدر الحكم على علوني قدمت قناة «الجزيرة» في برنامج ما وراء الخبر حلقة كان اطرافها زوجة تيسير علوني، ومحامية تيسير علوني وناشطا سوريا من باريس ممن يدافعون عن تيسير منظور حقوق الانسان والقوانين الاسبانية، وكان تركيز كل الحلقة على ان القضاء الاسباني قضاء جائر ومسيس وان الاعلام الاسباني مسيس ايضا. لم يكن في الحلقة اي ممثل للادعاء ولا حيثيات الحكم، فقط قالوا لنا ان تيسير مظلوم وان كل القوى العالمية تتعاطف مع تيسير، لم يقولوا لنا كيف خففت الاحكام على رفاق تيسير، هل جاء ذلك ضمن مساومة قضائية Plea Bargain اي ان يعترف احد المتهمين على رفاقه (ومن بينهم تيسير) حتى يثبت الحكم عليهم ويخفف الحكم على نفسه.

قناة الرأي والرأي الآخر قدمت لنا العالم من وجهة نظر زوجة تيسير التي لا اشك انها ستفعل أي شيء يخرج زوجها من السجن، ومن وجهة نظر محامية تيسير الاسبانية، ومن وجهة نظر ناشط سوري يدافع عن تيسير، اذن اين هو الرأي الآخر؟! واين هو النفس المهني التي تدعي الجزيرة انها عوقبت عليه. عندما تسمى تغطية الجزيرة احادية الجانب «بالنفس المهني» وتخلط الاوراق السياسي بالقانوني «طبعا دا مينفعش!».

تغطية موضوع تيسير يفتح لنا مشكلة اكبر تناقش اليوم في العالم العربي التي تعتبر ان الصحافيين فوق القانون، ففي مصر مثلا هناك حملة كبرى تدعو الى عدم سجن الصحافيين مهما كتبوا او قالوا، لا يسجن الصحافيون في بريطانيا او أميركا، ذلك لأن التعويض الذي تدفعه الجريدة او القناة التلفزيونية قد يؤدي الى افلاسها واغلاقها، اما اقصى عقوبة يفرضها القانون في مصر على السب والقذف فهو دفع ألف جنيه تعويضا اي مائتي دولار، وهناك كثيرون في مصر ممن يتطوعون لتشويه اي شخصية مقابل دفع مائتي دولار غرامة، وهم يقبضون آلاف الدولارات على هذا العمل، اما في الغرب تدقق الصحف في معلوماتها لأن الثمن غالٍ جدا اذا ما أخطأ صحافي في حق فرد او مؤسسة. اما عندنا فالتكلفة رخيصة.

الصحافيون ليسوا ملائكة، قد يخطئون وقد يرتكبون جرائم، ألم يفجر صحافي القائد الافغاني احمد شاه مسعود قبل احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بأسبوع، قد يدعي البعض انه ارهابي قام بدور الصحافي، المهم هو ان الضحية احمد شاه مسعود قابل هؤلاء على انهم صحافيون والنتيجة واضحة للجميع.

وارد اذن ان يكون الصحافي ارهابيا، او متعاطفا مع الارهاب، فالصحافة نتيجة طبيعية للمجتمع، المجتمع الفاسد ينتج صحافة فاسدة، ان تقول ان الصحافيين ملائكة وهم فوق القانون... «مينفعش!». ثم أليس من العدل ان تقول لنا الجزيرة او اي قناة اعلامية اخرى عن السيرة الذاتية المهنية لصحافييها، هل بدأ تاريخ تيسير مع ظهوره في الجزيرة التي بدأت عام 1996، ام ان له تاريخا اوسع واشمل؟ واضح انه مواطن اسباني مهاجر، ولكنه يتحدث العربية، اي انه مهاجر، من اين اتى وماذا كان يفعل؟ وهل تغير جلده تماما بعد الهجرة.. الخ!!

مهم ان نعرف من هؤلاء الاعلاميين كي نصدقهم، اعرف مقدم برامج في قناة عربية كبرى كان يعمل مؤذنا في احدى الدول العربية قبل ان تجعله الحركة التي ينتمي اليها نجما. ان يسوق المؤذن او المؤدلج كمقدم برامج «مينفعش!».

***

«مينفعش» ان يرفع البرلمانيون في مصر الاحذية (الجزم) حسب ما نقلت الاخبار عن مواجهة بين نائب الحزب الوطني وامين تنظيمه احمد عز والنائب السادات، «مينفعش» ايضا ان يقول المرشد العام للاخوان المسلمين انه سيتعامل مع معارضيه بالجزمة اذا ما تسلم الحكم، فهل حلت الجزمة محل الحوار في واحدة من اكبر البلدان العربية؟! في مصر ايضا «مينفعش» ان تكون هناك دعوة للتوريث ودعوة للاصلاح في ذات الوقت، التوريث يمشي في اتجاه والاصلاح اتجاه آخر، وفي مصر ايضا السياسة تسير في اتجاه والاقتصاد يسير في الاتجاه المعاكس، السياسة شرقية والاقتصاد غربي، بالطبع هذا «مينفعش»، وبالطبع كلنا يعرف ان شرعية النظام ممتدة من ثورة يوليو ومن القضاء على النظام الملكي المصري، والتوريث يعيد الامر الى ما كان قبل الثورة، اي ان الوضع يصبح اشبه بالمطعم الكائن في قمة برج القاهرة، الذي لف لفة واحدة وتوقف الى الابد، ان ينقلب النظام على شرعيته، وان تسير السياسة في اتجاه والاقتصاد في اتجاه آخر، وان نتحدث عن الاصلاح والتوريث في ذات الوقت.. كل هذا «مينفعش!».

***

منذ يومين شاهدنا مظاهرات في لبنان تضمنت حرقا للاطارات في طريق المطار لأن واحدة من الفضائيات اللبنانية سخرت من الامين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله، افهم ان ينتفض المسلمون ضد سخرية الصحيفة الدنماركية من الرسول الكريم، اما ان نضفي قدسية على شخصية سياسية كحسن نصر الله، ونقول ان نقده اقرب الى الكفر.. هذا بالتأكيد «مينفعش!»، هذه ظاهرة تحتاج الى نقاش حقيقي، فبعض رجال الدين اليوم يرفضون النقد او المناقشة لأنهم يقعون ضمن اطار المقدس، ويصبح نقد رجال الدين كفرا.. «مينفعش»!

لدينا أيضا من بعض الدول كتاب ومقدمو برامج يقدمون أنفسهم على أنهم هم نظام الدولة التي يقومون فيها، وأي نقد لهم هو نقد للنظام وأي نقد لهم أيضا هو نوع من الخيانة، هذه اللخبطة أيضا «متنفعش»!

***

الشاشة يابانية، والميكرفون الذي على جاكيت المذيع أو المذيعة صيني، والقمر الناقل للبث الحي فرنسي والبدلة التي يلبسها المذيع والضيوف هي إما ايطالية أو فرنسية، وكذلك ربطة العنق، وربما الملابس الداخلية من كالفن كلاين، كل هذا وأنا أشاهد برنامجا حول العرب والعولمة، في برنامج الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة، مواجهة بين ضيفين أحدهما من مصر والآخر من الدوحة.. أحدهما يرفض العولمة والآخر يدعو الى الانخراط فيها.. لم يكن لمقدم البرنامج أو للضيفين أي شيء سوى «الحكي» أو طق الحنك أو الثرثرة، اما كل الوسائل التي نقلت الصورة الى بيوتنا فكلها من نتاج الغرب أو العولمة: الميكرفون، الشاشة، البدلة، العربسات، ان نستخدم كل هذا.. وندعو الى مقاطعة العالم.. هذا بالتأكيد «زعبرة»، كما يقول أهل لبنان أو كما تقول في مصر «مينفعش»!

***

في فلسطين نرى حركتين (فتح وحماس) ونرى جيشين، ونرى حكومة برأسين، ونرى حربا أهلية غير معلنة، وما أكثر الحروب الاهلية غير المعلنة، في العالم العربي، في العراق، ولبنان وكذلك في فلسطين، نرى كل هذا ونصفق للفلسطينيين وهم يدخلون حربهم الأهلية المؤجلة، ونرى إيهود أولمرت ينفذ ما يسميه بالانسحاب الاستراتيجي الأحادي، ويعرف كثير من القادة العرب ان هذا حادث لا محالة، وان سقف ما يمكن ان يقوم به اولمرت هو انه يخبر محمود عباس ام لا بهذا الانسحاب. قلة من الدول العربية تساعد حماس على حساب فتح بالمال والاعلام، الفلسطينيون داخلون الحرب الأهلية لا محالة.. وكثير منا يشاهد الموقف ويدعي ان الأمور ليست بهذه الخطورة.. هذا ايضا «مينفعش»!

***

في تونس تدعي جماعات اسلاموية ان الأمن التونسي دنس المصحف في أحد السجون.. ظني انه لا يوجد مسلم مهما كان مارقا يجرؤ على تدنيس المصحف الكريم... استغلال المصحف في السياسة «أيضا مينفعش»!