رهان بوش على إيران

TT

سمح الرئيس جورج بوش لوزيرة خارجيته كوندوليزا رايس والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل بتحقيق نصر متميز في مجال السياسة الخارجية ووضع مسافة ما بينه وبين نائبه تشيني من خلال قرار الأسبوع الماضي عن طريق إدلاء الولايات المتحدة بمغرياتها من خلال المشاركة بالمفاوضات مع إيران. لكنه نصر ضمن الإجراءات الشكلية أكثر منه نصرا ضمن الجوهر وما زال ممكنا عدم تحققه.

وظل نائب الرئيس تشيني مطوقا من قبل دبلوماسيي وزارة الخارجية الأميركية في السابق، وخصوصا في صيف 2002 حينما وافق بوش على أخذ كولن باول قضية الهجوم الاستباقي ضد العراق إلى الامم المتحدة. لكننا نعرف الآن أن بوش وافق على جوهر ما تحمله حجة تشيني في القيام بالحرب حتى مع السماح للدبلوماسيين بممارسة عملهم في مجلس الأمن الدولي. لذلك، فنحن لم نخرج بعد من هذا الأسلوب حتى مع بروز الأزمة المتعددة الوجوه مع إيران. في الوقت نفسه، فإن هناك اختلافات مهمة ما بين اليوم وعام 2002. فهي تشير إلى أن الرئيس لم يقرر بعد في داخله بالقيام بعمل عسكري ما ضد إيران، وإذا كان ضروريا، لمنع أو تعطيل قيام إيران بتطوير أسلحتها النووية سرا. قد يكون قرار من هذا النوع بعيدا عنا بمسافة زمنية قدرها عام واحد.

يجب القول إن التوقعات بنجاح المفاوضات مع إيران في البيت الأبيض ضئيلة. وأهمية تصريح رايس الدرامي يظهر أن بوش يقاتل الآن من أجل إنقاذ فترة حكم رئاسته المزعزعة عن طريق السماح بإجراء تغيير في البيت الأبيض حيث ظل نفوذ تشيني هو الأعلى.

يمكن اعتبار مبادرة بوش لجلب هنري بولسون الذي يعد من أصحاب الوزن الثقيل في شارع الصحافة «وول ستريت» لتعيينه وزيرا للمالية هي حالة أخرى ضمن هذا السياق. فهذا القرار اتخذ من خلال إخبار مساعدين كبار له للمراسلين الصحافيين بدون مشاركة تشيني أو مستشاره السياسي كارل روف. وبغض النظر عن مدى دقة تلك التعليقات المجهولة فإن حقيقة كون مساعدي بوش اتخذوا قرارا بدون التخوف من عقوبات تصلهم من نائب الرئيس تشيني هو أمر جديد. وما يزال لدى تشيني حلفاء اقوياء في الادارة، وخصوصا وزير الدفاع دونالد رامسفيلد. ولكن وزارة الدفاع ينظر اليها، على نحو متزايد، باعتبارها مصدر المشاكل وليس الحلول بالنسبة لهذه الادارة، حيث العراق يسير من سيئ الى أسوأ، والتكاليف العسكرية والمالية والأخلاقية للجهد الأميركي تصل الى مستويات لا تطاق.

ان اخفاق حكومة «الوحدة الوطنية» العراقية الجديدة في تحقيق الكثير من التقدم وسط أجواء العنف المتصاعد في بغداد أو توفير الخدمات للناس، بعد أن أعلن المسؤولون الأميركيون ان تشكيلها يعتبر «تقدما كبيرا».

وبينما يتزايد التمرد والفساد في العراق يركز تشيني ورايس وحلفاء الولايات المتحدة الرئيسيون في أوروبا بصورة اكبر على ايران، كما لو أنهم يتجنبون مشاكل العراق عبر التركيز على ازمة جديدة على الرغم من أن ذلك يجري في اتجاهات مختلفة.

ولم يخف نائب الرئيس سرا في ارتيابه بالنظام الايراني ورغبته في تغييره. واقنعت وزيرة الخارجية والأوروبيون بزعامة المستشارة ميركل بوش بأن عليه أن يجرب كل الطرق السلمية قبل طلب فرض العقوبات الاقتصادية او أية عقوبات اخرى ضد طهران. واشارت التقارير الى أن رئيس الوزراء البريطاني طرح النقاط ذاتها على بوش في محادثاتهما الخاصة الشهر الماضي.

وقال سفير أوروبي ان «الادارة تمضي بعيدا في جعل المجتمع الدولي مشاركا حيث يحاول بوش الوقوف على قدميه ثانية داخل البلاد»، بعد ان سمع هذا السفير ديفيد ويلش، كبير خبراء وزارة الخارجية في شؤون الشرق الأوسط، وهو يؤكد أن بوش كان قد عارض خطة «اعادة الترتيب» الأحادية الجانب للضفة الغربية التي قدمها رئيس الوزراء الاسرائيلي يهود أولمرت خلال زيارته الى واشنطن الشهر الماضي. وتساءل السفير «لماذا التأكيد كثيرا على شيء لم يحدث؟»

ان بوش اكثر انفتاحا على الأزمة الايرانية بالمقارنة مع العراق، وهو يعرف انه لن ينتزع دعما دوليا كبيرا لتدخله في ايران.

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»