هل انتصر تعليم البنات في السعودية؟ (1 - 2)

TT

«اسألوا وزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالي، فقد تعبنا نحن ووزارة التخطيط من طرح هذه الإشكالية»، إنه رد وزير الخدمة المدنية السعودي محمد علي الفايز على سؤال حول عدم تعيين الكثير من خريجي الجامعات، مشيراً إلى التخصصات التي يتراكم عدد أصحابها، لصعوبة إيجاد فرص وظيفية لهم، مؤكداً محاولة وزارته الجادة لتوظيف معلمات محو الأمية خلال السنوات المقبلة وبالتدريج، لعدم وجود وظائف حالية تفي بالغرض، حتى أنه نوه، في معرض حديثه عن إقرار نظام التقاعد المبكر للمعلمات، الذي لم يحظ بعد بالإجماع، في محاولة أخرى لاستبدال من يعمل بمن ينتظر، بالأمر الذي وصل إلى خلق الوظائف في مختلف الوزارات للهبوط بنسب البطالة، وبالطبع نحن إنما نتحدث عن الوظائف الإدارية، أي أننا سنتخلص من البطالة ببطالة أخرى مقنعة، فماذا سيعود على الوطن من كل هذا الإرباك؟ وماذا سيكون عليه حال البلاد بعد سنين من اليوم! أين هي التخصصات التي يشترك فيها الجنسان لنهضة بلادهم! تظل مجرد استفسارات معلقة.

يوم الثلاثاء الماضي وضع حجر الأساس لجامعة الفيصل الأهلية، وقد تم نقل الحفل عبر الشاشات، لنرى المباني الضخمة والمجهزة التي تمنى المرء معها لو عاد طالباً ليتعلم في أروقتها، بتخصصات علمية تقنية هندسية طبية تشرح الصدر، ولكن، ودائماً هناك «لكن»، بالرغم من كونها «جامعة»، أي الطبيعي جمعها للطلبة والطالبات على صعيد واحد، إلا أنه قد تحدد أن تكون للطلاب وحدهم، فأين نصيب الطالبات من تكلفة إجمالية قدرها 385 مليون ريال؟

يحرم البنات من تحصيل علم متقدم، ويتيقن الآباء أنه حتى مع توفر المال فليس شرطاً أن يضمنوا لبناتهم تحصيل العلم الذي يرغبن فيه داخل البلاد، والسؤال: لماذا لم تتم الموافقة على إلحاق الطالبات بصرح كهذا، حتى يتمكن القائمون عليه من تجهيز مبان تضمهن، خاصة في الأقسام غير الطبية؟

نعود إلى كلمة الوزير الفائز ونقول اسألوا وزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالي، فعلى ما يبدو أن مسألة الاقتناع بضرورة تعليم الفتاة السعودية ما زالت محصورة في تخريج المعلمات وقليل من الطبيبات وأقل من دارسات الحاسب الآلي، اللاتي سينهين رحلتهن كالعادة بالتكلس في أحد البنوك أو ربما بتدريس المواد الدينية أو الاجتماعية في إحدى القرى النائية، كما يجري.

حين يصرح وزير الخدمة المدنية بقوله: «يهمني تقليل بطالة الرجال أكثر من النساء لأنهم العائلون»، يجوز اعتبار كلامه من باب التحيز وعدم الاهتمام بوضع المرأة، ومع هذا فقد يعذر الرجل، فبين يديه آلاف الخريجين، ومن ورائه ثقافة بيئة صنفت الرجل بالعائل، الذي تنتظر أسرته راتبه، والمرأة العاملة بالتي تنتظر آخر الشهر للصرف على زينتها، فلا يكون أمام الوزير غير أن يقدِّم من يقف على أعتابه مستقبل البلد، أو هكذا قيل عمن تخرج من بيتها بحثاً عن تفاصيلها الصغيرة، فهل وصل إلى علم الجميع خبر من تقاسي الأمرّين في ركوب مواصلات تنقلها إلى أبعد نقطة عن مقرها، لتصل إلى مدرسة تعينت بها بعد طول صبر وعناء براتب معلمة غير مجز وحوافز لا تذكر! هل تراها مخلوقة تهوى تعذيب نفسها لتتوه بين مشترياتها، أم أن حاجتها وأسرتها إلى المال كانت أكبر من راحتها! ويا ليت العائد كفاها أو كفاهم! وبالتبعية، ماذا عن مصير الجامعتين اللتين تقرر إنشاؤهما في منطقتي تبوك والباحة بتعليمهما المجاني، الذي من المفروض أن يكون في متناول الراغبين، ماذا عن الكليات الأربع لكل منهما؟ وعن نصيب البنات من كل كلية بما فيها الهندسة، فنحن لا نملك إنكار وجود مهندسات نفط سعوديات في أرامكو أليس كذلك؟ كما أن ربط المخرجات باحتياجات بلد، لا يجد عند سعودة وظائفه سوى إعادة شغلها بعقول وأيدي أجانب، مطالب بإحلالها ولا يقتصر أمره على قدرة فتيانه دون فتياته.

إذا علّمت ولداً فقد علّمت فرداً، وإذا علّمت بنتاً فقد علّمت أمة، ففي حجرها يتربى المستقبل، ولكن يبدو أننا لم نحسن تعليم المرأة، بدليل أنه ما زال هناك من يعيد التفكير في أيهما أولى: تعليم الفتى أم تعليم الفتاة؟ فمن فكر في هذا؟ إنه الرجل الذي تربى في حجر أمِّ لم يصلها العلم، الذي يقنعها بأن المرأة والمرء سواء في الجدارة، يقول أحد علماء التربية: «إذا أردت أن تعلم ابنك القيم والمثل والمبادئ، فعلمه إياها في الوقت الذي لا يناقشك فيه»، وأي وقت أفضل من بدايات العمر الأولى، بين أحضان الأم وما تزرعه في عقل وليدها! وبالمناسبة، وما دمنا نتكلم عن التعليم والتعلم فبماذا احتطنا له عندما حددنا مناهجه؟ ماذا نقول عن الفتاة التي تخرجت بعد سنوات المدرسة الـ12؟ هل استوعبت غير قياس قدرتها على الحفظ والتلقين حتى مع المواد العلمية التطبيقية؟ هل تمتعت بلعب الرياضة، فعرفت كيف يكون الانطلاق النفسي المصحوب بفرح الصديقات؟ هل أعطيت فرصة لإظهار مواهبها ولو في حصص التعبير لتختار ما يناسب ميولها شعراً أم نثراً؟ أين تطوير طرق التعليم ووسائله كعرض مناسك الحج بفيلم وقائعي، أو إضافة مادة الإعجاز العلمي لتفسير القرآن! بل والأبسط: أين حصص الخياطة بماكينات للتدريب اكتفي منها بدرس نظري، وما على الطالبة سوى تسليم عملها الذي سيخيطه غيرها كما درج! أين المعرفة بأصول الطفولة والأمومة مع جزمنا العصبي بأن خير المرأة لبيتها فقط! أين دروس الطبخ من عمل الفطيرة التي كتبت وصفتها منذ 20 سنة وليس على المعلمة تغيير مكوناتها، وإلا تكون قد خرجت عن المنهج، كما جاء عن مشرفة المادة! ثم، وبكل جرأة نطالب جيلنا بالإبداع والتفكير الابتكاري. كلمة حائرة: أفسح المجال لكلية عفت الأهلية بمدينة جدة بتخصصاتها العلمية أن تفتح أبوابها للبنات.