نهاية خطاب التطرف؟! (1 ـ 2)

TT

مقتل الزرقاوي في العراق، وشريط أيمن الظواهري الأخير، واغتيال جمال ابو سمهدانة في فلسطين، وردة فعل حماس، ولقاء الرئيس مبارك مع رئيس وزراء اسرائيل اولمرت، ومفاوضات واشنطن وطهران، كلها علامات ومؤشرات لنهاية خطاب التطرف، أو وصوله الى طريق مسدود.

صور وكلمات ألغت الخط الفاصل ما بين السياسة والتطرف، حتى أشرطة بن لادن والظواهري المتكررة على قناة الجزيرة، اصبحت روتينية لا تلهب مشاعر الجماهير، فمنذ الحادي عشر من سبتمبر لم يصحب هذه الاقوال أي أفعال، كما أن أدوات التطرف الاعلامية مثل صور الموتى والشهداء أصبحت أخبارا عادية، من يثيره اليوم مقتل عشرة من العراق؟! قناة الجزيرة نفسها اصبحت روتينية كأشرطة بن لادن، عرضها للخبر متوقع، وتحليلها متوقع، وضيوفها متوقعون.

كما ان الجهات التي كانت ربما كفيلا لخطاب التطرف صفّت اعمالها في هذا البيزنس. التطرف يفقد كفلاءه وادواته، ورموزه، حتى لغته.

كل هذا ان لم يكن نهاية لخطاب التطرف، فهو يعني وصول هذا الخطاب الى مأزق، او طريق مسدود.

أعرف ان مقولة نهاية خطاب التطرف، مقولة مغامرة، ولكن لدي اسبابي وحججي لإطلاقها، ومن لديه البديل فعليه الدليل.

لكي نعرف ملامح نهاية خطاب التطرف، لا بد وان نرى ذلك في سياقه، ولا بد من رسم خريطة للقوى الفاعلة في المنطقة وموقع التطرف منها.

هناك أربعة قوى أساسية تحكم خطاب التطرف في المنطقة اليوم، ثلاثة منها داخلية، أولها الدول، وثانيها الحركات السياسية، وثالثها الايدلوجيات وتصارع الافكار. أما العامل الرابع فهو التدخل الخارجي، اوروبيا كان ام امريكيا.

يمكن تقسيم الدول الفاعلة في المنطقة الى دول عربية ودول غير عربية، الدول العربية تتمثل في مصر والسعودية وبعض دول الخليج، اضافة الى سوريا. اما الدول غير العربية فهي تتمثل في ايران، وتركيا، واسرائيل، والولايات المتحدة الامريكية.

وإذا بدأنا بالدول العربية، أقول بأن بعضها مأزوم بالتناقض بين مكاسب التطرف الخارجية وتكلفته الداخلية. والبعض من هذه الدول، يقبل بخطاب التطرف ولكنه يخلق حائط صد يفصل ما بين التطرف والدولة الحاضنة لهذا التطرف. فبينما نرى حالة التأزم في مصر وسوريا، تكون قطر المثال الاقوى لحالة الفصل.

قطر اليوم، تحاول إيجاد توازن ما بين ارتباط الدولة عسكريا بأمريكا، وارتباط اقتصادها من الغاز والبترول بشركات النفط الاميركية مثل «اكسون موبيل»، و«كونكو فيلبس»، و«شيفرون» من ناحية، وارتباط «الجزيرة» بخطاب التطرف خارجيا. فهي تحاول إقامة حاجز صوت يفصل ما بين ارتباطات الدولة والجماهير الغاضبة. وسأفصل في هذه النقطة أكثر، ولكن بعد أن أعرض للعنصر الثالث الفاعل في المنطقة وهو الايدلوجيات أو الأفكار.

لدينا في المنطقة ايدلوجية سائدة، وهي الايدلوجية الاسلامية، وهي تعيش او تعوم على إسلام العوام في الشارع، وبذلك هي جزء صغير على السطح لا عمق له. وتتنافس على اسلام العوام، كل القوى الفاعلة الاخرى من الدول الى شيوخ القبائل، اذن لدينا اسلام العوام كمرجعية مشتركة، ولدينا اسلام الدولة والمجتمع، واسلام الحركات.

وتكون الخطوط الفاصلة غالبا غير واضحة، عندما نتحدث عن قضايا قديمة مثل فلسطين، او قضية حديثة مثل العراق، هنا يختلط خطاب الزرقاوي وخطاب الظواهري بخطاب الصحف القومية، وأحيانا بخطاب رؤساء بعض الدول. هناك ايضا خطاب القبيلة والعرق او القومية، وهو خطاب تحت السطح، يظهر عندما تحدث مواجهة بين قوى الداخل المختلفة. ولكنه يظل خطابا جوهريا.. فلنتمعن بما صرح به أخيرا راشد الغنوشي، قائد حركة النهضة التونسية، بأن الاسلام السياسي يجب ان يركز على المشروع العربي، لأن توحيد العرب هو امر ممكن، اما توحيد المسلمين من ماليزيا الى الصومال فهو أمر حالم وليس واقعيا.

أي أن هناك إحساسا بالعجز لدى المشروع الاسلامي، لذا هو يعتمد على ارث خطاب سابق، وهو الخطاب القومي، ومن هنا نشطت مؤتمرات الحوار القومي ـ الاسلامي المتعددة.

النقطة هنا، هي ان حالة من السيولة تسيطر على الافكار في المنطقة، وحالة من الانتهازية والواقعية، بمعنى ان نفس الشخص يكون إسلاميا عندما يكون الاسلام في خدمة مصالحه، وقومجيا اذا ما كان خطاب القومية يخدم مصالحه، او طائفيا وعرقيا عندما يكون العرق والطائفة هما الحامي لمصالحه.

إضافة الى الدولة، والحركة، والايدلوجية، كعوامل حاكمة لخطاب التطرف في المنطقة، هناك عامل رابع، وهو ظهور القوى الخارجية مثل اوروبا والولايات المتحدة كإطار حاكم ومحدد لسقف خطاب التطرف في المنطقة. فمحاسبة هذا الخطاب في الغرب والشرق، حسب القوانين الوضعية، جعل الكل يأخذ حذره.

فمثلا سجن تيسير علوني في اسبانيا، وابو قتادة، وابو حمزة في لندن، وعمر عبد الرحمن في امريكا، يجعل كل من يقترب من خطاب التطرف يفكر مليا في مسألة الثمن الذي سيدفعه كنتيجة لخطاب التطرف.

هذا ما ادى الى التغيير الذي نراه اليوم في خطاب قناة الجزيرة مثلا، الان نجد المعلقين على قناة الجزيرة يستجدون الجماهير ويشكون لهم بأنهم مقيدون في الحديث عن الاستشهاد والجهاد لأنهم يعيشون في بريطانيا او يحملون الجنسية البريطانية، وان القوانين الجديدة في بريطانيا تعرضهم للسجن لسنوات او قفل مطبوعاتهم اذا ما تبنوا خطاب التطرف. من شاهد برنامج «الاتجاه المعاكس» الاسبوع الماضي، يرى صورة واضحة لهذا الخوف، ومن شاهد برنامج «أكثر من رأي»، أو «من وراء الخبر»، يرى صورة واضحة أيضا لمذيع يقسم عباراته بألف «لكن»، و«أظن»، و«يقول آخر»، أو «يدعي البعض»... محاولات لإبعاد نفسه عن المحاسبة، ذلك لأن القانون العالمي قد يطاله، أو أن «الكفيل المحلي» لهذا الخطاب قد يغضب.

إذن لم تعد العبارات واضحة كما كانت في السابق، العضة الصوتية (Sound bite)، ليست كالطلقة كما كانت. حتى خطاب القرضاوي بدأ في التراجع، واستخدام مائة ألف «لكن». قوة خطاب التطرف في غياب «لكن»، أما إدخالها فيعني بداية النهاية لخطاب التطرف...

وللحديث صلة.