هل انتصر تعليم البنات في السعودية؟ (2-2)

TT

كنا قد تطرقنا في الأسبوع الماضي إلى التناقض الملموس في اتخاذ القرارات المتعلقة بتعليم البنات الجامعي السعودي، ما بين السماح لهن بدراسة التخصصات العلمية في كلية عفت الأهلية بمدينة جدة، والضن عليهن بمثل هذه الفروع أو ما شابه في جامعة الفيصل الأهلية بمدينة الرياض! وهي حيرة تدفعنا إلى اللحاق بقطار المنطقة الشرقية والتساؤل عن عدم إلحاق الفتيات بالدراسة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن واقتصار المنفعة حتى يومنا على جموع الفتيان وحدهم! فالحقيقة أن كل تعليم لا يعترف بتكافؤ الفرص وتنوعه، يمتص دم الرسالة التعليمية ويؤدي بالوطن إلى ارتفاع أعداد خريجيه على حساب الوظائف المطلوبة وتلك التي كان يمكن استحداثها، فالوطن الاستثنائي هو مرادف للقرارات الاستثنائية وإلا تحول إلى مجرد إقليم لا يجلس في الصف الأول بين مصاف الدول المتقدمة، وقبل البدء بنقاشنا حول الأساس التعليمي المرجو، نود التنويه بأن الالتحاق ببعض فروع الجامعة يجب عدم تحديده باختبار القدرات العامة بعد المرحلة الثانوية والمبستر في عدد معين من الساعات وإن كان معداً للقياس التحليلي والاستدلالي، كما يجب عدم حصره بنتائج الشهادة الثانوية وحدها، وإنما ينبغي تحقيقاً للأمانة وتحسباً لظرف طارئ كالمرض وخلافه الاعتماد على اختلاف الأساليب كملاحظة المهارات العملية والقدرات العقلية أثناء العام الدراسي أو حتى الأعوام الثلاثة الثانوية الأخيرة، مع الالتزام بتقديم بعض المشاريع العلمية من قبل الطالب/الطالبة للتقييم، ضماناً للحكم العادل في أحقية الدخول إلى بعض الكليات من عدمها.

أما الأساس الذي نحن بصدده فنستهله بعزوف بناتنا عن القراءة الذي أدى إلى سطحية التفكير وهشاشة المواجهة مع المشكلات الحياتية وضعف التمكّن الإملائي الصحيح، واقتراحنا كالآتي: لم لا تضاف إلى المنهج الدراسي مادة تعرف بالقراءة الحرة، فترغّب الطالبة بالقراءة وباختيار كتابها ومن ثم تلخيصه وإلقائه أمام المعلمة والطالبات استعداداً للإجابة على أسئلتهن! بل لم لا تنتهج ذات السنّة في شرح بعض المواد المقررة أيضاً، طالما أنها عملية تربوية صميمة لامتلاك الجرأة والفصاحة والمران على حضور الذهن. وبالنسبة للمناهج المقررة في مادتي التاريخ والجغرافيا فدعونا وفي جرعة سريعة نتساءل: هل هناك ما يمنع من التوسع التاريخي والإلمام بالأحداث العالمية وأسباب نشوب الحربين العالميتين أو حربي الخليج على سبيل المثال! هل من ضرر في التزود بتاريخ أعلام المسلمين وسيرهم الذاتية في أدق تفاصيلها والتي جعلت منهم الأسماء التي وصلتنا! هل من عائق في الاستعانة بالوسائل المرئية في تعرف الطالبات على التضاريس الجغرافية بحالاتها لتثبيتها أكثر، ثم، ماذا عن المدرسة الذكية وتدريس مقرراتها أو بعضها على الأقل بواسطة الحاسب الآلي الذي أخذ بتقانته في العديد من نواحي العالم! وبانتقالنا إلى غرفة الفصل بترتيب مقاعدها التقليدي، ماذا لو أعدنا تنظيمها من حين لآخر بشكل تجلس فيه الطالبة في مقابل الأخريات! ألا يشجع ذلك على التفاعل الحيوي بين البنات ويحافظ على التركيز! ومع إشكالية الواجبات وعدم التنسيق ما بين المعلمات، ماذا لو استقطعنا جزءاً من مساحة السبورة المدرسية لتسجيل الواجب المنزلي عليها بحيث لا يمحى حتى نهاية الدوام، ألا يكون في ذلك حل بسيط تلم كل معلمة من خلاله بحجم الواجب الذي سبقها فيكون تكليفها في حدود الاستطاعة، فإذا تكلمنا عن فترة الاستراحة بين كل حصتين ووقتها المخصص لها، فهل يجوز أن نعد مدة العشر دقائق وقتاً معقولاً للتنفيس التجديدي عوضاً عن مباشرة الحصص المتواصل وتسرب الملل إلى نفوس الطالبات! وبدلاً من إتمام ثماني حصص يومية، نكتفي بسبع منها ولكن باستيعاب أكبر!

واستئنافاً، وحيث أن المنهج كوسيلة للتعلم والتربية لا ترتبط أهدافه بمضمونه وحده، كان لا بد من برامج مصاحبة له ومكملة، ومنها الجمعيات التي لا تأخذ أنشطتها الحالية الرتيبة على محمل الجد، وهو واقع لا تلام الطالبات أو معلماتهن عليه، فأين الأنشطة المسموح بها من تكوين عدد من البرامج أو النوادي المصغرة للعلاقات العامة! أو الصحافة! أو الإسعافات الأولية! أو الأعمال التجارية للناشئات (بالاشتراك مع إسهامات القطاع الخاص)! أو الألعاب الرياضية، أو الأنشطة الكشافية الملائمة لطبيعة المرأة وتجوالها المشرف عليه.

قيل أن حسن أداء الطالبة يعتمد على حسن أداء المعلمة، فماذا عن مربية النشء وتكوين شخصيتها المؤهل أولاً؟ ماذا عن شهادة علم النفس التربوي التي حصلت عليها للتعامل الأمثل مع الطالبات وخاصة في المراحل الابتدائية! ماذا عن اجتياز اختبارات القبول التحريرية والشفوية «الشاقة» عند التقدم للوظيفة للتأكد من صحة الاختيار! ثم ماذا عن الدورات التدريبية المستمرة ذات الكفاءة والجدية! أو تقويم الأداء من قبل الطالبات وأولياء أمورهن آخر العام! أو حجم الراتب وإغراءاته المحفزة وتحديداً في المدارس الخاصة! ففي المجتمع الياباني على سبيل الذكر، ذي النظام التعليمي الأفضل في العالم، لا يحاط معلموه من الجنسين بعظيم الاحترام والتبجيل فحسب، بل ويجزل لهم العطاء بمرتبات لا تشتت جهودهم وطاقاتهم بين مطالب الحياة أو البحث عن وظائف أخرى جانبية، مما يفسر معه تهافت معظم خريجي الجامعات على شغل هذه الوظيفة المرموقة.

إذا تذكرنا التعليم في الأماكن النائية ولو من بعيد، فمستواه التعليمي والإشرافي الذي يشكو من ملوحة أمطاره، يحتاج إلى الارتفاع بنوعيته ووعي القائمات عليه وتأهيلهن مهما كانت الصعوبات أو ارتفاع الثمن المادي، فليس أخطر من العقول البسيطة بتعليمها الساذج من إقناعها بانفصالها عن إنسانيتها. بقي أن نقول، إن ما سبق ذكره إنما هو تراث مشترك في معظم معضلاته بين الطلبة والطالبات، وأخيراً: صورة الفتاة في كتب التلقين الأولى الدراسية لا تخرج في أغلبها عن: هند التي تطبخ وتغسل وتخيط، وأحمد الذي يدرس ويذهب ويعمل، فهل آن أوان التعديل في ملامح هذه الصورة النمطية المؤطرة؟!