نهاية الزرقاوي: محطة لإعادة تقييم المواقف!

TT

يجوز القول إن «أبو مصعب الزرقاوي» كان يشكل عقبة معقدة لمختلف أطراف النزاع في العراق، وبالتالي فغيابه عن الساحتين السياسية والعسكرية يفترض أن يعيد تشكيل المشهد العام، ويوفر لهذه الأطراف الفرصة لاعتماد مقاربات مغايرة لتلك التي اختارتها أو وجدت نفسها مدفوعة لتبنيها في الماضي.

فبالنسبة للشيعة، كان «الزرقاوي» وممارساته ذريعة ثمينة للتشبث بمواقفهم ومواقعهم المكتسبة بعد إطاحة الحكم الصدّامي، والمضي قدماً في الإمساك بـ«وسط عصا» العلاقات الحسنة مع واشنطن، والأحسن منها مع طهران، وذلك في وجه مطالب السّنة ومشاعر الغبن والإحباط التي خيّمت عليهم بعد إسقاط النظام السابق.

وبالنسبة للسنّة، كان «الزرقاوي» سيفاً ذا حدين. أحد حديه إيجابي يخدم بصورة أو بأخرى مصلحة السنّة في احتواء الهيمنة الشيعية ـ إن لم نقل تعطيلها ثم نسفها ـ ، وإنهاك قوات الاحتلال الأميركية تمهيداً لإرباك واشنطن ودفعها إما إلى تقصير فترة احتلالها أو إعادة فتح قنوات التفاوض مع القيادات السنية، والتعامل معها بإيجابية لموازنة الثقل الشيعي.

أما الحد الثاني السلبي فهو أن مفاهيم الزرقاوي وممارساته كانت من التشدد والتزمت والدموية بحيث أحرجت العشائر والمثقفين والمعتدلين السنّة الذين تؤهلهم كفاءاتهم وذهنياتهم العملية وعلاقاتهم الاقليمية لخوض غمار المعركة السياسية داخل العراق مستقوين بالعمق العربي... في موازاة استقواء بعض الشيعة بالعمق الإيراني.

وبالنسبة لواشنطن، كان «الزرقاوي» تحدياً صعباً، إذا أخرجنا من التداول، بالطبع، «نظرية المؤامرة» لدى البعض ممن دأبوا على القول إنه لو لم يكن له وجود لوجب إيجاده... كي يكون «فزاعة» تبتز بها واشنطن كل مكونات الشعب العراقي لتبرير إبقاء قواتها في أرضه.

فمما لا شك فيه أن إدارة «آيديولوجية» متصلبة مثل إدارة جورج بوش لا تستطيع الانسحاب ببساطة من معمعة هي التي ألفتها ولحنتها ولفقت مبرراتها أمام المجتمع الدولي. ونحن نتذكر دائماً كيف كان بوش ونائبه ديك تشيني ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد «يحاضرون» أمام العرب وعلى الملأ كيف سيصبح العراق نموذجاً يحتذى لـ«الشرق الأوسط الجديد».

وعليه، ما كان وارداً أن تقدم واشنطن على سحب قواتها من دون تحقيق نصر ـ ولو كان معنوياً ـ تنطلق منه لتسويق سحب جزء من قواتها، تحت وطأة انقلاب غالبية الرأي العام ضد مواصلة الغرق في المستنقع العراقي، الذي تفوح منه أكثر فأكثر رائحة الحرب الأهلية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية الانتخابات النصفية لمجلسي الكونغرس المقررة خلال الخريف المقبل، في حسابات البيت الأبيض الذي يحرص على ألا يستعيد الديمقراطيون توازنهم، ومعه أحد المجلسين أو كليهما.

اليوم أخرج «الزرقاوي» من «السيناريو»...

واضح أن شيئاً ما قد حدث، بصرف النظر عما إذا كان حدوثه سيشكل تغيراً نوعياً في الإشكالية الحالية أم لا. ولئن قال بعض المعنيين إن ما حدث تأخر أكثر مما ينبغي، وإن الحرب الأهلية التي أجّجها «الزرقاوي» وجماعته بدأت فعلاً وما عاد من السهل إخمادها، يرى آخرون أن تغييبه عن الساحة لن ينهي هذا النمط من التطرف الأصولي حتى ولو أربك تياره وقلل من فاعلية عملياته إلى حين. وحتى واشنطن، المفترض أنها أكبر المهللين لنهاية «الزرقاوي» تميل إلى الحيطة والتحفظ في تقييمها لآفاق المستقبل.

في الحصيلة النهائية، أمام الجميع الآن فرصة لوقف لعبة «التذاكي» الانتحارية في العراق.

أمامهم محطة تسمح للجميع بالتقاط الأنفاس ... فهل يستفيدون منها؟