كلها ذهبت ولم تعد!

TT

الموسيقار محمد عبد الوهاب كان لا يقرأ وإنما ثقافته في أذنيه، فهو يسأل ويستمع جيدا، ولكن حدث أن أراد أن يقرأ أغنية للمطرب الفرنسي أزنافور، ولم تكن معه نظارة القراءة فسألني، فأعطيته نظارتي، فوضعها في جيبه وهي الآن من مخلفاته التاريخية!

وعندما ظهرت الصديقة لبنى عبد العزيز في أول فيلم لها مع عبد الحليم حافظ، كان دورها يقتضي أن تكون في يدها شنطة أنيقة، فأعطيتها شنطتي التي تلقيتها هدية من إحدى الشركات الألمانية، وظهرت الشنطة في الفيلم ولا بد أنها رأت الفيلم عدة مرات، ولكنها لم تتذكر لحظة واحدة أن هذه الشنطة لها صاحب، وهذا الصاحب ينتظرها من أربعين عاما! ويوم وقع الرئيس السادات على اتفاقية كامب دافيد اخرج قلما من جيبه، هذا قلمي، ووقع الاتفاقية ثم أعطى القلم لوزير خارجية أميركا تذكارا تاريخيا، وكتبت مقالا أصرخ فيه وأقول: قلمي يا ريس! ولما قرأ الرئيس السادات المقال قال لي: يا أخي فضحتني، أنا كنت مستعدا أجيب لك ألف قلم! وأذكر أنني أهديت الرئيس السادات طاقما من البايب (الغليون)، وكان طاقما فخما، وفي كل مرة يدخن الرئيس يقول: هذا الطاقم هدية من أنيس!

شكرا يا ريس، ولما ذهبنا إلى إسرائيل لأول مرة أهدتني الزميلة سمادار بري طاقما من أكواب عليها تمثالان للسادات وبيجين مخموران تماما، وحملت الطاقم للرئيس وظل يضحك ثم طلب المزيد من هذه التماثيل المضحكة! وعندما جاءت ريتا هيوارث وزوجها الاغاخان إلى مصر وقفنا حولهما، وتلفت الأمير اغاخان يسأل إن كان معي أي مبلغ من المال لكي يستأجر أي تاكسي إلى السفارة الإسبانية فأخرجت من جيبي ورقتين كل منهما بخمسة وعشرين قرشا، ورقة أعطيتها له والثانية طلبت منه ومن زوجته أن يوقعا عليها!

وفي ليلة عشاء في مكتب كامل الشناوي بجريدة «الأهرام» رأتها الفنانة ليلى فوزي وقالت لي: ممكن أتفرج عليها وسوف أعيدها لك غدا، ومضت أكثر من خمسين عاما ولم تعد الورقة التاريخية، وسألت ليلى فوزي وسألت زوجها المذيع جلال معوض الذي سألني: ريتا هيوارث مين؟! وعندما ظهر كتاب (دكتور جيفاجو) للكاتب الروسي باسترناك كانت في مصر نسخة واحدة عندي، طلب مني الكاتب الكبير مصطفى أمين أن أعير هذه النسخة للرئيس عبد الناصر، وبسرعة رحت أقلب في النسخة وأمحو كل الخطوط والعلامات التي تدل على اهتمامي الخاص بالعبارات والمعاني، وأرسلت النسخة للرئيس عبد الناصر وذهبت النسخة إلى حيث ذهب الرئيس ولا حس ولا خبر!

كلها في اتجاه واحد. ولم تعد!