بين تصنيع السيارات وقضايا البيئة

TT

كتبت، في 31 مايو الماضي، مقالا اتهمت فيه شركة جنرال موتورز بالتصرف بطريقة غير مسؤولة بعرضها تقديم كميات غير محدودة من الوقود بسعر 1.99 دولار للغالون الواحد لمدة سنة لأي شخص يشتري نوعيات معينة من السيارات متوسطة الحجم والسيارات الرياضية النفعية او السيارات الهامرز في كاليفورنيا او فلوريدا. وفي الوقت الذي نحارب في الشرق الأوسط، عدوا يمول بطريقة غير مباشرة من مشترياتنا النفطية، يبدو لي أن على كل مواطن وشركة أميركية مسؤولية خفض استهلاك النفط. ولا ينبغي على أحد صناعة سيارات هامر تلتهم الوقود، ولا ينبغي على أحد قيادة مثل هذه السيارات ولا ينبغي على أحد ـ وجنرال موتورز بالذات ـ دعم الناس الذين يشترونها.

وبعد ظهور مقال 31 مايو، أدان ستيفن هاريس نائب رئيس «جنرال موتورز» للاتصالات العالمية وزملاؤه وجهة نظري، في بيان رسمي وفي مدونة «جنرال موتورز» على الانترنت. وهذه قضية مهمة، ولذا دعوني أرد على الرد.

في البداية، أفضل رؤية «جنرال موتورز» مزدهرة للغاية، وتخلق وظائف في الولايات المتحدة ـ وألا تبيع نفسها جزءا بعد جزء. ولكن ما دامت «جنرال موتورز» تقدم الوقود بسعر 1.99 دولار للغالون الواحد، فسأصبح ناقدا متشددا.

اعذروني إذا ما كنت ـ في الوقت الذي تفرض فيه الصين مستويات أعلى من استهلاك السيارات للوقود أكثر من أميركا ـ لا أريد الانضمام الى العديد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ في الوقوع في فخ دعايات «جنرال موتورز» وعدم مطالبتها بأن تصبح اكثر شركات صناعة السيارات اقتصادا في استهلاك الوقود في العالم. وإذا ما أصر المزيد من الناس في واشنطن على تركيز «جنرال موتورز» على انتاج سيارات يمكنها التنافس في عالم يصل فيه سعر الغالون الى 3.99 دولار، بدلا من خلق عالم مصطنع تبيع فيه الوقود بـ 1.99 دولار للغالون، لم شعرت «جنرال موتورز» بالقلق بخصوص الافلاس.

وتقول «جنرال موتورز» إن السيارات المخصصة لعرض 1.99 دولار للغالون الواحد تم اختيارها بسبب «اقتصادها المميز في استهلاك الوقود، وجاذبيتها العظيمة بالنسبة للمستهلك». وذكرت ايضا انها تصنع المزيد من السيارات التي تحصل على شهادات من الجهات المعنية تؤكد عدم زيادة استهلاكها لأكثر من 30 ميلا للغالون الواحد على الطرق السريعة.

لكن الحقيقة هي انها تبيع سيارات اكثر تسير لمسافة تتراوح ما بين 9 الى 11 ميلا للغالون الواحد ـ الهامر ـ اكثر من أية شركة أخرى. وبالرغم من ان «جنرال موتورز» تبرر عرض تقديم وقود سيارات بكميات غير محدودة لسنة واحدة بسعر 1.99 دولار للغالون، بأنها تمنع المستهلك فرصة لقيادة واحدة من اقل السيارات استهلاكا للوقود، فإنها لم تشمل في هذا العرض، اكثر سيارتها اقتصادا في استهلاك الوقود، وهي سيارة تشيفي افيو (35 ميلا للغالون الواحد على الطرق السريعة)، ولكنها شملت في هذا العرض 7 شاحنات الاكثر استهلاكا للوقود. كما انه ليس لديها أية سيارة عائلية هجينة في السوق (ستطرح واحدة في الصيف الحالي) ـ بعد 9 سنوات من طرح شركة تويوتا لسيارتها بريوس الهجين التي تسير لمسافة 45 ميلا للغالون الواحد، وهي السيارة التي سخرت منها «جنرال موتورز» آنذاك.

وكتبت ستيفاني سالتر مقالة ساخرة في صحيفة «تيري هوت تربيون ستار»، حول عرض تقديم وقود بسعر 1.99 دولار للغالون الواحد بتخيلها ما الذي يمكن ان تفعله شركات استهلاكية اقل صحة اذا ما تبنت نفس السياسة: «أعلنت شركة ار. جا. رينولدز برنامج دخن اكثر/ادفع اقل لمعظم انواع السجائر التي تنتجها. وسيتم وضع كوبونات ذات تاريخ محدد في علب السجائر. وسيحصل المستهلك الذي يجمع على 10 كوبونات من نفس النوع في خمسة ايام على علبة سجائر بسعر دولار واحد. والسجائر الوحيدة التي لا يشملها العرض هي السجائر ذات اقل معدلات من القطران والنيكوتين».

ثم سأل هاريس من «جنرال موتورز»: «كيف يمكن ان يصبح تقديم بطاقة وقود سيارات يمكن ان تصل قيمتها الى الف دولار مختلفة او يعتبر تصرفا اكثر شرا، من اعادة الفي دولار الذي تقدمه شركة تويوتا الآن على مستوى الولايات المتحدة لمن يشتري سيارتها الرياضية النفعية سيكويا؟

ربما يظن من يطلع على هذا السؤال، ان شركة جنرال موتورز توزع وقودا رخيصا، بدلا من رد جزء من ثمن السيارة كعرض خاص. إلا ان الحقيقة هي اننا اتصلنا بوكيل بشركة جنرال موتورز في كاليفورنيا، وقال لنا انه بموجب البرنامج الجديد بات يحق لهم تقديم عرض بتخفيض مبلغ 5000 دولار من سعر سابوربان موديل 2006 سيارات تاهو الرياضة النفعية، بالإضافة الى شراء كميات غير محدودة من الوقود بسعر 1.99 دولار للغالون الواحد لمدة سنة. أعتقد ان هاريس نسي هذا الأمر تماما.

شركة تويوتا تنتج ايضا سيارات رياضية نفعية، تماما مثل جنرال موتورز. ولست على المستوى الشخصي ضد أي منهما، إذا ان هناك من يحتاج الى هذا النوع من السيارات وهناك من يستمتع بها ايضا. لكنني لا اعتقد ان انه يجب علينا ان ندعم الجازولين لكي يشتريه من هم ليسوا في حاجة اليه او لكي يشتري البعض انواع السيارات الاكثر استهلاكا للوقود. تقول شركة جنرال موتورز ان السيارات الرياضية النفعية اكثر اقتصادا في استهلاك الوقود، مقارنة بالسيارات التي تنتجها شركة تويوتا. وكل ما اعرفه ان التقارير ذات الصلة بمعدلات الاستهلاك تصنف السيارات الرياضية النفعية من كل الأحجام في خانة المركبات ذات الاستخدام الاقتصادي في الاستهلاك فضلا عن الثقة في الأداء.

يقول هاريس انهم يعرضون تسع مركبات تعمل بخليط الإيثانول E85، ويقول ايضا انهم انتجوا 1.9 مليون من هذا النوع من السيارات والشاحنات، وان شركة تويوتا لم تنتج أيا من هذا الانواع. إلا ان الحقيقة هي ان اكبر ثلاث شركات اميركية منتجة للسيارات بدأت تنتج اعتبارا من منتصف التسعينات موديلات تستخدم نوعين من الوقود.

وكما موضح في «ديز مونيز ريجيستر» في مقال بتاريخ 26 مايو: «تتلخص الثغرة في الآتي: السيارة التي تستخدم نوعين من الوقود ويمكن ان تعمل بالجازولين او نسبة 85 في المائة من الايثانول تقطع مسافات محددة بكمية وقود محددة طبقا للقواعد والمواصفات التي وضعها الجهات الرسمية فيما يتعلق بكميات الوقود والمسافات التي يجب ان تقطعها السيارات بهذه الكميات».

عدم الدقة في ايراد المسافات الصحيحة التي تقطعها هذه السيارات وكميات الوقود اللازمة لقطع هذه المسافات، يعني إنتاج هذه الشركات المزيد من السيارات الكبيرة الحجم، التي تستهلك كميات اكبر من الوقود، حسبما جاء في «ديز مونيز ريجيستر». على سبيل المثال سيارة «جي ام سي» يوكون 1500 موديل 2006 الثنائية الدفع تستهلك غالونا واحدا لقطع مسافة 15 ميلا داخل المدينة، و20 ميلا على الطريق السريع. إلا انها صنفت في خانة السيارات التي تستهلك غالونا واحدا لقطع مسافة 33 ميلا، كي تكون متوافقة مع المعايير التي وضعتها الجهات المعنية. ويقول اتحاد العلماء ان هذا ادى الى زيادة الاستهلاك بمعدل 80000 برميل يوميا خلال عام 2005 فقط.

اذا كانت شركات جنرال موتورز وفورد وكريسلر حريصة بالفعل على النفط والبيئة، لماذا إذاً تستغل هذه الثغرة؟ وعلى الرغم من ان شركة جنرال موتورز انتجت 1.9 سيارة تستخدم اكثر من نوع من الوقود، فإنها وبقية شركات انتاج السيارات لم تبلغ المستهلكين بأن سياراتهم يمكن ان تستخدم الايثانول، والسبب في ذلك هو ان المصلحة الحقيقية لهذه الشركات، تكمن في استخدم الثغرة المشار اليها بغرض انتاج سيارات كبيرة الحجم. كثيرون لا يدركون انهم يقودون سيارات يمكن ان تستخدم اكثر من نوع من الوقود. وورد في المقال المشار اليه ان كثيراً من هؤلاء لا يعرفون ان سياراتهم يمكن ان تستخدم نوعا آخر من الوقود، إلا عند فحص رقم السيارة الخاص. وبدأت شركة جنرال موتورز في الآونة الأخيرة وضع غطاء اصفر اللون على خزان الوقود في السيارات التي تستخدم نوعين من الوقود، بغرض تنبيه المستهلكين.

لست خبير سيارات، لذا دعوني ابكر الحكم الأخير لمجلة «اوتوموتيف نيوز». إذ ورد في افتتاحية عددها الصادر في 5 يونيو (حزيران) الحالي: «عرض شركة جنرال موتورز بإعادة جزء من ثمن مشتريات الجازولين خطوة غير موفقة بالنسبة لشركة تحاول أن تعكس صورة ايجابية عن جهودها في مجال البيئة. ربما كون هذا العرض ايجابيا بالنسبة لأصحاب السيارات التي تستهلك كميات كبيرة من الجازولين، كما انه مثال آخر على تجاهل جنرال موتورز للقضايا ذات الصلة بالبيئة. بوسع جنرال موتورز إنتاج سيارات اقتصادية في استهلاك الوقود شأن غيرها من الشركات، لكنها تتصرف وكأن مستقبلها يعتمد على السيارات التي تستخدم كميات اكبر من الوقود».

* خدمة «نيويورك تايمز»