ماذا يعنى موت الزرقاوي بالنسبة للأمن والاستقرار في منطقة الخليج؟

TT

منذ الأيام الأولى لظهور الدلائل التي تشير إلى استمرار بقاء أبو مصعب الزرقاوي في العراق، وقيام القرائن التي أكدت قدرته ونجاحه في تأسيس تنظيم إرهابي خاص به، ودخوله معترك الصراع الداخلي والدولي الدائر في العراق، برزت بعض التساؤلات ضمن قيادات الأجهزة الأمنية المختصة في دول منطقة الخليج العربي، بشأن التبعات السلبية الآنية وبعيدة المدى المحتملة لحركة ونشاطات هذا الرجل، في دولة خليجية مجاورة ومهمة كدولة العراق، التي تمتلك حدوداً طويلة ومفتوحة مع كل من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت.

وكانت أسس ومبررات هذه التساؤلات والهواجس، تقوم على افتراضات تأكدت صحتها لاحقاً. فهناك فارق كبير بين نشاطات وأهداف فصائل المقاومة العراقية من جهة، ونشاطات وأهداف تنظيم الزرقاوي من جهة أخرى، وذلك على الرغم من عمل كلتا المجموعتين على أرض جغرافية واحدة، وعلى الرغم من الافتراض بوجود أرضية مشتركة بين الطرفين تتمثل بمقاتلة قوات الاحتلال الأمريكي على أرض العراق. فالمجموعات العراقية المسلحة كانت لها مصلحة أساسية بالتركيز على ساحة العمليات العراقية ومحاولة تحقيق أهداف سياسية محددة تخص الوضع العراقي بشكل مباشر وربما بطريقة حصرية. أما تنظيم الزرقاوي فيقف على الجانب الآخر من المعادلة، حيث يحمل معه أخطاراً تتجاوز ساحة العمليات العراقية، وتتجاوز الحدود الجغرافية للعراق. وتكمن خطورة وجود تنظيم الزرقاوي على الأراضي العراقية في عاملين مهمين كانت، وربما ستكون، لهما آثار سلبية بالنسبة للأمن والاستقرار في منطقة الخليج.

يتمثل العامل الأول في حقيقة أن الأغلبية العظمى من أعضاء تنظيم الزرقاوي، هم من المتطوعين العرب وليسوا من أبناء العراق، وهم من الذين تحملوا مشقة الرحيل من بلدانهم ودخلوا العراق من أجل الانخراط في تنظيمه، حيث أمسى هذا التنظيم الناشئ، وخلال فترة قصيرة، نقطة جذب جديدة وفعالة لما يُسمى العناصر الجهادية.

وتشير بعض التقديرات، إلى أن نسبة من أعضاء هذا التنظيم، هم من مواطني بعض الدول الخليجية، حيث تحول التنظيم إلى نقطة جذب ومدرسة فعالة تخرج وتؤهل جيلاً جديداً من الإرهابيين، الذين يمتلكون الخبرة الميدانية، والمسلحين بفكر موغل في التطرف.

وبغض النظر عن تباين التقديرات بشأن نسبة أعضاء التنظيم، الذين ينتمون إلى دول خليجية، فإنه يتعين التحسب لهذا الأمر الذي يمكن أن تكون له تبعات على أمن واستقرار هذه الدول، خصوصاً أن بعضها عانى خلال الأعوام القليلة الماضية من ظاهرة العائدين من أفغانستان، وهم الشباب الذين ذهبوا إلى «ساحة أفغانستان الجهادية»، ثم عاد بعضهم بأفكاره المتطرفة وخبرته الميدانية ليستقر في البلد الأم، وانخرط في ممارسة العنف ضمن الدولة والمجتمع.

أما العامل الثاني أو الخطورة الثانية، فتتمثل في حقيقة أن خطط وأهداف تنظيم الزرقاوي تتعدى الحدود الجغرافية لساحة العمليات العراقية، حيث جاء الدليل عبر تبني التنظيم لعمليات إرهابية بشعة، تمثلت في عمليات القتل الجماعي والعشوائي للأبرياء، تم تنفيذها على أراضي المملكة الأردنية الهاشمية، وبالذات في قلب العاصمة عمّان، وفي ميناء العقبة خلال العام الفائت. وقد جعلت بادرة تصدير التنظيم للإرهاب إلى خارج الحدود الجغرافية لساحة العمليات في العراق، بعض المراقبين يقتنعون بأن احتمال قيام تنظيم الزرقاوي بتنفيذ عمليات إرهابية داخل أراضي بعض الدول الخليجية، ما هو إلاّ مسألة وقت ما دام التنظيم يعمل بفاعلية عالية في العراق. ولذا، فإن طبيعة واستراتيجية تنظيم الزرقاوي، تجعلان منه ذا خصوصية مميزة لأمن الدول الخليجية وخطورة كامنة يتوجب أخذها بعين الاعتبار.

وتفرض التطورات الأخيرة سؤالا أساسياً حول دلالة موت الزرقاوي، هل هو نهاية الخطر المحتمل الذي ربما كانت ستواجهه الدول الخليجية؟

في الحقيقة، فإن مقتل قائد التنظيم يُعـَـد تطوراً مهماً. وفي كل الأحوال، قد تؤدي تداعياته إلى زعزعة هيكلية التنظيم وإضعاف قدراته، ولكن يجب توخي الحذر والحيطة من الذهاب بعيداً في اتجاه التفاؤل. فالبيئة التي صنعها الاحتلال الأمريكي للعراق، وسوء تصرف سلطات الاحتلال واستهتارها بأبسط القيم والمعايير الأخلاقية والقانونية الدولية، يُضاف إليها طائفية وسلطوية وفساد بعض القيادات السياسية العراقية، التي ارتبطت بسلطات الاحتلال، كل هذا وغيره هو الذي صنع ظاهرة الزرقاوي ولم يصنعها الزرقاوي بنفسه. وكل ما قام به الزرقاوي هو مجرد استغلال البيئة المحتقنة وحالة التسيب والانفلات التي أفرزتها حالة الاحتلال والعدوان وصنعتها ممارسات سلطات الاحتلال. فما دام الحال في العراق على ما هو عليه، فسوف تستمر احتمالات الخطر الذي تواجهه منطقة الخليج سواء بوجود الزرقاوي أو بعدم وجوده. فعندما تضعف سلطة الدولة، وتستشري فيها الصراعات الداخلية، وتتآكل قدرتها على ضبط الأمن والاستقرار، فإن ذلك يجعلها ساحة لاستقطاب عناصر التطرف والإرهاب، ومصدراً لتصدير العناصر والأنشطة الإرهابية إلى الخارج.

* كاتب سعودي ورئيس مركز الخليج للأبحاث

[email protected]