ليست مدنا للملح

TT

عرف عن الملك عبد الله بن عبد العزيز انه ليس من المتحمسين للإنفاق بلا ضرورة، الأمر الذي منحه تقدير الكثيرين.

منذ البداية وضع أولوياته واضحة، تسديد الديون التي كانت تمثل الخطر الاكبر، والانفاق على الحاجات الاساسية، والابتعاد عن الاقتراض، وكذلك تجنب المشاريع الضخمة المكلفة.

بدل الاعتماد على الحكومة الحلوب اضطر رجال الاعمال والمؤسسات الاقتصادية الى البحث في حلول اخرى. الحكومة ترى انها قامت بواجبها وساعدت على تأسيس شركات وطنية ضخمة في قطاعات الكهرباء والصناعة والزراعة والبتروكيماويات، وبات على الشركات ان تعتمد على نفسها وحان الوقت للاستفادة من السوق الضخمة.

مشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في رابغ فتح أعين رجال الاعمال الذين اعتادوا على حليب الدولة ليجربوا الاعتماد على السوق التي فيها من النقد المالي اكثر مما في خزينة الحكومة مرات. مشاهد وأرقام الاقبال الهائل على الاكتتابات كانت دليلا على ان السوق المحلية اغنى من الحكومة، واسرع في التمويل، واقل تعقيدا. السوق المفتوحة المتخمة باكثر من نصف تريليون ريال قادرة على تمويل شركات العقار لبناء مليون وحدة سكنية مطلوبة، وقادرة على بناء المستشفيات، والمدارس، والجامعات الخاصة او المشتركة مع الحكومة.

حان الوقت ان تقول الحكومة لرجال الاعمال ان يتجهوا الى السوق كما نرى من تجارب المدن الجديدة، مدن الملك عبد الله، التي وضع اساسها في مناطق متفرقة. بامكانهم ان يقيموا مدنا تعليمية وطبية وصناعية ضخمة دون الحاجة الى مد ايديهم الى الحكومة الا في المنشآت غير المربحة.

لكن في المقابل، على الحكومة ان تهون من مصاعب السوق وتعقيدات البيروقراطية التي عطلت قدرات البلد لعقود طويلة، أي أن تستنسخ تجربتها الجديدة في رابغ. عليها ان تمنح البنوك الحماية النظامية الضرورية للتمويل، وتضرب بيد من حديد على عمليات الاحتيال في العقار واسهم الشركات. ستجد الحكومة في السوق السعودية ما يكفي لبناء مشاريع عملاقة دون ان تتكلف الحكومة بدفع ريال واحد من جيبها وتجعلها تعيش مرحلة انتعاش جديدة عملاقة.

فالتحديات الحالية والمقبلة كبيرة ولم يعد ممكنا الاكتفاء بمدارس الحكومة ومصانعها في ظل التنامي في سكانها. بلد كان عدد سكانه في عام 1973 أقل من سبعة ملايين نسمة واليوم 26 مليون نسمة وبعد اربع سنين سيبلغ الثلاثين مليون نسمة. هذه الارقام الهائلة من طلاب الوظائف والمقاعد الدراسية والاسرة العلاجية والبيوت السكنية لا بد ان تلبى حاجاتهم بطريقة اقتصادية مباشرة.

نحن نتحدث فعليا عن سوق عملاقة تملك من القوة المالية ما يجعلها تنجح بقرار ملكي واحد يفعل هذا الاسلوب الذي اسسه في المدن الجديدة. الحكومة ليست في حاجة ان تنفق كثيرا ولا ان تستدين ولا ان تغامر اقتصاديا فهذه مهام السوق ورجالها، وتبقى الحكومة هي المشرع والمراقب والحكم والمساند.

[email protected]