جريدة الأخبار الطيبة

TT

أعرب أحد المدخنين عن هلعه من كل هذه التقارير عن حظر التدخين. قال لا افتح جريدة الا وأجد شيئا مفزعا عن ذلك. قالوا له وماذا ستفعل؟ قال سأنقطع عن قراءة الجرائد. هذا ما فعلته انا بالنسبة للعراق، قررت ان انقطع عن قراءة اخباره، كذلك انقطعت عن قراءة اي شيء عن فلسطين والسودان والصومال ولم يبق لي غير ان انقطع عن قراءة الجرائد كليا، على الاقل عن قراءة الجرائد الانجليزية، فالجرائد العربية ليست على نفس الدرجة من السوداوية والمأساوية، فعندما اقرأ احدى الجرائد العربية أشعر بأن أمتنا في خير وحافلة بالانتصارات ولا شيء ينغص عيشها. كلها فرفشة وبركة وعدالة وحاجات حلوة.

لكن هذه الجرائد الاجنبية اللعينة لا تحمل غير الاخبار المكربة للنفس والغريب في امرها ان ملايين الناس يشترونها صباح مساء. يقرأونها، ثم يتذمرون من اخبارها. اضرابات وحروب وقتل وحرائق واغتصاب ومجاعات وكل ما يقبض الروح. استجابة لهذا الموقف، قرر بعض الصحافيين قبل سنوات اصدار جريدة مكرسة كلياً للاخبار الطيبة والمتفائلة وتمتنع عن نشر اي شيء مزعج، وسموها بالفعل جريدة الاخبار الطيبة Good News، فماذا حدث؟

لم يشترها أي أحد واعلن اصحابها افلاسهم، وتلاقفت انباءهم جرائد الاخبار المكربة.

انه لشيء عجيب هذا التوله بالوقائع النحسة والمشؤومة. حدث لي قبل أشهر ان صدمت سيارتي بما هشم مقدمتها، فاذا بالجمهور يتقاطرون من كل فج عميق ليتفرجوا عليها. سحبوها للكراج لتصليحها. مرت عدة ايام دون ان يأتي اي احد ليتفرج على تصليحها، وخرجت بها من الكراج صحيحة وسليمة وفي ابهج منظر، ولم يعبأ اي أحد بالقاء ولو نظرة عابرة عليها، واقسم بالله لو انني بدلا من ذلك، اخذت المطرقة وهويت بها ضربا وتهشيما بالسيارة، لما بقي واحد في ومبلدن لا يهرع اليَّ ويتفرج كيف احطم سيارتي.

لا ادري كيف افسر هذه الظاهرة. سقطت قبل سنوات طائرة قرب لندن. خفت سيارات الانقاذ لنقل المصابين، ولكنها لم تستطع الوصول اليهم قط. اختنقت كل الطرق المؤدية للموقع بالمتفرجين. بادرت الشرطة لمناداة الجمهور بالمايكرفون «كفاية فرجة. اسمحوا لنا باسعاف الجرحى. نعدكم بأنكم ستشاهدون كل شيء على التلفزيون». اصبح اول عمل تقوم به الشرطة في اي فاجعة، ان تبعث بكل ما عندها من رجال لمعالجة المتفرجين بدلا من المصابين.

ظاهرة عجيبة، قد يشمئز منها القارئ، ولكنني واثق انه في قرارة نفسه يبتهل لله ويقول «اللهم ضمني للمتفرجين ولا تجعلني واحداً من المتفرج عليهم» وهو موضوع سأعود إليه.