أيام فاتت

TT

نشاط اجهزة الأمن محفوف بالمزعجات، ولكن له ايضا جانبه الظريف الذي يعطي ثروة من المقالب والطرائف، من اظرف ما سمعت منها كان ما جرى في عهد عبد الكريم قاسم.

دخل في ذهن السلطة ان بريطانيا تخطط لمؤامرة تطيح بالنظام الثوري. لرد كيد الانجليز الى نحورهم شددوا الرقابة على السفارة البريطانية، ولا سيما ملحقها العسكري. كلفوا رجلا بمتابعته واعطوه دراجة نارية تتبعه حيثما ذهب. قالوا له اياك ثم اياك ان تتركه يفلت من انظارك. مصير الثورة كله على كتفيك. واظب الرجل على ملاحقة الدبلوماسي اينما ذهب الى درجة ان قامت بينهما علاقة صداقة كلما خرج الملحق ورأى وكيل المخابرات، حياه بعربيته المكسرة، «تسبح الى خير سيد».

ذهب الملحق في احد الايام لحفلة ساهرة استمرت لما بعد منتصف الليل. وكانت ليلة قارسة البرد. خرج اخيرا يركب سيارته والتفت الى الشرطي السري فوجده نائما على دراجته ملتفا بمعطفه. فحار الصاحب في امره كيف ينصرف بدون الشرطي السري. كان رجلا طيبا وادرك انهم سيعاقبونه اشد العقاب عندما يكتشفون ان الامبريالي الانجليزي سار في بغداد بدون مراقبة والرجل المكلف بمراقبته غارق في النوم. فذهب اليه ليوقظه، «سيد اصح! اصح من النوم! الصاحب يريد يمشي!».

فرك الرجل عينيه نظر حوله ثم بادر لتشغيل دراجته. ولكنها لم تشتغل. اقتضى ذلك من الملحق ان ينتظر حتى تشتغل, ولكنها ابت. نزل الصاحب من سيارته ليساعد رقيبه في تشغيلها حتى اكتشف انها استنفدت وقودها واصبحت بدون بنزين.

قال للشرطي: انت يبقى هنا صاحب يروح للبنزين يجيب بنزين للموتورسيكل». مضى لينطلق بسيارته ولكن الشرطي ركض وراءه بهلع ورمى بنفسه على السيارة ليوقفها. تذكر التعليمات «اياك واياك تخلي الصاحب يمشي وحده ويروح يدبر انقلاب ضد الحكومة».

حار الاثنان في ما يمكن عمله اخيرا ذهب الملحق الى سيارته فتح الصندوق الخلفي واخرج انبوبا مطاطيا ثم جاء بسيارته الى جانب الدراجة. مد طرف الانبوب في صهريج وقود السيارة وبطريقة السايفون نقل كمية كافية من البنزين الى صهريج الدراجة. «الله يطول عمرك مستر. والله لولا انت ما كان عرفت ايش أسوي واشلون ارجع للبيت».

بضربة واحدة من قدمه، اشتغلت الدراجة وسار بها الشرطي السري حثيثا في متابعة سيارة الملحق البريطاني. وهكذا نجا العراق والحمد لله من مؤامرات الانجليز في تلك الليلة وكل ليلة من ليالي العهد الثوري.

وكانت ايام وفاتت