وأرغم ابن خلدون على أن يبيع بغلته!

TT

احتفلنا ولم نحتفل بمرور ستة قرون على وفاة المؤرخ وفيلسوف التاريخ ابن خلدون، وكتبت بعض المقالات أنه ولد منذ ستة قرون، وقالوا بل مات. ومن المؤكد أننا لم نبذل جهدا كبيرا في يوم مات أو يوم ولد.. ولو كان مطربا أو راقصا لغنينا وطبلنا وزمرنا كثيرا وطويلا، المهم أن الاحتفال كان فاترا، كأننا لم نرغب في ذلك ووجدنا أنه لا يستحق!

المهم أنه ولد في تونس ومات في مصر، وأسرته قد نزحت إلى مدينة اشبيلية الأندلسية.. وكانت حياته مثل مماته فيها الكثير من الشك والقلق.. وقد كان يدخل في أحضان السلاطين والأمراء ليطردوه إلى بلاط سلطان آخر.

ورأى المؤرخون أيضا أنه أول من كتب (الترجمة الذاتية) ـ أي قصة حياته بين أهله والناس ومن بلد إلى بلد، وأثر ذلك في نفسه وفي فكره، ولما استقر مقامه بضع سنوات ألف كتابه الشهير «كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبرية ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» وكان في الخامسة والأربعين من عمره، ولكن مقدمة هذا الكتاب هي الأهم والأخطر. ولما جاء إلى القاهرة وصفها وصفا يستحق الشكر عليه؛ قال: رأيت حضرة الدنيا وبستان العالم ومحشر الأمم وكرسي الملك، تلوح العصور في جوه، وتزهر المدارس بآفاقه، وتضيء البدور والكواكب من علمائه، وقد مثل شاطئ بحر النيل نهر الجنة وموقع مياه السماء، ومررت حتى سكك المدينة تقضي بزحام المارة وأسواقها تزخر بالنعم. ومن ألطف مغامرات ابن خلدون لقاؤه مع ملك المغول وقائدهم الشهير تيمور لنك، ذهب إليه يحمل الهدايا ويطلب الأمن والأمان للعلماء والقضاة، وسأله تيمور لنك عن علمه وعن الناس، وقال ابن خلدون، ثم وقعت مفاجأة لم يقف عندها ابن خلدون طويلا، فقد سأله تيمور لنك: بلغني ان عندك بغلة جميلة؟ قال ابن خلدون هدية لك أرجو قبولها، ولكن تيمور لنك أصر على شرائها، وأرسل له ثمنها عندما عاد ابن خلدون إلى مصر!

نعود نقرأ ما حدث.. فالرجل الذي ما بين الصين ودمشق، زاغت عينه على بغلة يملكها هذا العالم الفقير، وكان في استطاعة تيمور لنك أن يسوق كل البغال والخيول ما بين الصين ومصر وأن يستولي عليها، ولكنه شاء أن يستولي على بغلة ابن خلدون، وحتى لا يقال انه اغتصبها كما اغتصب غير ذلك، فانه قرر شراءها، لأنها بغلة أحد العلماء، كأنه لا يطيق أن يمتاز أحد عنه ولو ببغلة، ولم يشأ أن يرفع قدر ابن خلدون ليقدمها له هدية، وإنما حط من قدره وجعله بائعا رغم أنفه!