الخروج من دائرة الكسل اللذيذ!

TT

حاولت الأسبوع الماضي أن أرتدي شخصية الروائي المصري البير قصيري الذي كتب ثماني روايات بالفرنسية يمجد فيها الكسل اللذيذ، ويعتبره ـ كما يقال ـ جالبا للصفاء الذهني، ونوعا من البطالة الضرورية للتفكير.. وقد زدت أنا عليه بأن قررت الامتناع عن القراءة والكتابة واستعمال الكومبيوتر ومشاهدة التلفاز أسبوعا كاملا، وسمحت لنفسي بأن أنعم بساعات طويلة من النوم، مسدلا الستائر كيلا أرى شيخوخة الشمس، حتى مباريات كأس العالم لم أشغل نفسي بنتائجها، رغم أنني من الكرويين في الأرض..

وحينما انقضى الأسبوع، وكان علي أن أعود إلى حياتي الطبيعية المثقلة بالواجبات والالتزامات والكتابة والقراءة، استحضرت حال ذلك السجين العربي الذي عزل في زنزانة انفرادية لبضعة أعوام، لم يعرف خلالها ماذا يحدث خارج جدار زنزانته، فكانت الصحيفة الأولى التي عثر عليها عقب خروجه من السجن، بعد كل تلك السنوات من العزلة تحمل أخبارا بدت في منتهى الغرابة بالنسبة إليه، فلقد قرأ اسم الرئيس المصري أنور السادات، وتساءل بينه وبين نفسه: ماذا حل بعبد الناصر، وأين ذهب عبد الحكيم عامر والبغدادي وزكريا محي الدين وآخرون ليصل الحكم إلى السادات.. وتجاوز ذلك الخبر وتساؤلاته إلى موقع آخر في الصحيفة، فقرأ خبرا عن دولة بنغلاديش، وهو لا يذكر قبل دخوله السجن دولة بهذا الاسم، ولا يتوقع أن ثمة دولا وقارات قد تم اكتشافها أثناء سجنه، فتوجه مباشرة إلى ارشيف إحدى الصحف، وبدأ يقرأ الصحيفة عددا تلو آخر من لحظة اعتقاله حتى اليوم الذي استعاد فيه حريته ليملأ الفراغ الذي شرخ حياته.. وقد فعلت مثله رغم فارق المدة والتوقيت والظروف، وذلك بالعودة إلى ارشيف عدد من الصحف عبر مواقعها الإلكترونية، والطريف أنني قد وجدت الحال على ما كان عليه: اغتيالات في العراق.. حروب في الصومال.. توترات بين «فتح» و«حماس».. هزائم في المونديال.. أزمة مياه في جدة.. والرئيس السوداني عمر البشير يتمسك بالخطاب العربي المغامر، ويتعهد بأن لا تدخل عسكري أممي في دارفور وهو على سدة الحكم، وأنه سيقود المقاومة بنفسه ضد تدخل القوات الدولية إذا دخلت دارفور!

وقد ازدادت قناعتي بأنه قد أصبح من الصعب على الإنسان العربي أن ينتظر من الأيام ما يفرح، فلقد تشابهت أيامه، فغدا أمسه مثل يومه مثل غده، فقافلة الحياة تمضي بنا بطيئة مثقلة بالكوارث والإحباط والجمود..

وكدت أن أعيد رأسي إلى وسادته في انتظار ما يبهج، لولا خشيتي أن يطول مكوثي، ثم تذكري لسطور لوح بها البعض لي حينما قررت الغياب بأن أعود.. وها أنا أعود، وكنت أتمنى أن آتيكم بفراشات الحروف الملونة، ولكن ماذا يفعل حاطب الليل إن لم يجد في الليل غير الليل؟!.

[email protected]