الشيفرة والبنات

TT

رواية المؤلف الأمريكي المشهورة «شيفرة ديفنشي»، حققت أرقاما قياسية في المبيعات وترجمت الى أكثر من أربعين لغة، من بينها العربية، ومؤخرا تحولت الى فيلم سينمائي يعرض حول العالم ويحصد مئات الملايين من الدولارات. والقصة كما بات معروفا لأعداد كبيرة من الناس تشكك في صدقية حياة المسيح عليه السلام، وتعتقد بأنه تزوج من مريم المجدلانية، وأن له نسلا منها، وطبعا لقي هذا الموقف استهجانا هائلا من الطوائف المسيحية المختلفة، مما أدى الى منع عرض الفيلم في مصر ولبنان (الرواية تباع في مصر، ولكنها محظورة بصورة رسمية في لبنان). واللافت أن طلب المنع في مجلس الشعب المصري كان من نواب مسلمين، «تضامنا» مع اخوتهم الأقباط ونصرة للمسيح عليه السلام. ولفت نظري هذا الموقف ولم أستطع إلا رسم مقارنة مع ما حدث في السعودية ورواية «بنات الرياض»، تلك الرواية البسيطة التي تحكي وقائع لفتيات في العاصمة السعودية، ولقيت هذه الرواية حملة منظمة لمنعها والتصدي لها بشتى الطرق، حتى لا يسمح ببيعها، وطبعا كان العامل الرئيسي في تبرير هذا الموقف هو نصرة وحماية الدين والتصدي للعلمانيين والمعتدين عليه. ونالت مؤلفة الكتاب الدكتورة رجاء الصانع وكاتب مقدمته الدكتور غازي القصيبي، سيلا من الاتهامات والسباب الذي لا يقدم على ذكره إلا من في قلبه مرض، (وبالمناسبة وصل عدد طبعات رواية بنات الرياض الى ست طبعات وفي فترة قياسية، محطمة بذلك أرقاما قياسية للطباعة). والغريب جدا كان الصمت المطبق إزاء «شيفرة ديفنشي»، فلم يسمح بأي اعتراض من نفس هذه الفئة، بالرغم من إساءتها لنبي من انبياء الله ومن أولي العزم من الرسل، سيدنا عيسى عليه السلام! أم يا ترى وجدوا أنه لا داعي لموقف مؤيد للنبي عيسى عليه السلام باعتباره نبيا للنصارى وهم «كفار»، فلا يجب بأي حال الدفاع عن أي من «رموزهم»، وذلك في الاستمرار لتطبيقات الولاء والبراء العجيبة، بحسب مفاهيمهم الخاصة جدا. الموقف المتشنج الذي حصل تجاه رواية بنات الرياض يؤكد من جديد أن الموقف ليس «مبدئيا» لصالح الدين، ولكنه اجتماعي مسيس متعلق بعباءة الدين المناسبة، وذلك لتحريك المشاعر وتوجيه الناس لمآرب أخرى، وخصوصا أنه يركز في «دفاعهم» عن المرأة وكأنها باتت خط الدفاع الأخير لهم بعد إفلاسهم في مواقف أخرى مختلفة. مضحك الموقف الذي تنادي به المجموعات المتطرفة في تحركاتها، ونذكرها بانبياء الدين الاسلامي «جميعا» وساعة الاختبار ولحظته المتمثلة في إهانة نبي من أنبياء الله يتم التغاضي عنه لصالح رواية بسيطة جدا. الموقف المتناقض والعجيب الذي ظهر بين «شيفرة ديفنشي» و«بنات الرياض»، يوضح نماذج الاستغلال الخطيرة والمخيفة باسم الدين واللعب بأهواء الناس بشكل خطير ومضلل، والتربة لا تزال قادرة على قبول المزيد من بذور التطرف والغلو، طالما وجد المزارع المناسب لذلك كله، أعاننا الله.

[email protected]