موسكو.. قريبا حتى من التاريخ

TT

وصلنا إلى موسكو، وفي الخيال صور شكلها التاريخ والدعاية! ازدادت الحيرة عندما رأيت المدينة، التي أزورها للمرة الأولى. في موسكو أنت قريب من كل شيء حتى التاريخ، كأنك لم تغادر العالم العربي، الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، طهران وواشنطن، الإرهاب، وجميع القضايا، والأمر الجديد الاقتصاد، بكل أبعاده المتناقضة. أبرز ما تلاحظه أن روسيا أجمل وأحدث، وأنظف بكثير من عواصم الدول التي ارتمت في أحضانها وتبنت شعاراتها، تاريخيا، في عالمنا العربي!

لم أكن سائحا، وإنما ضمن الوفد السعودي المرافق للأمير سلمان بن عبد العزيز، حيث تستمر السعودية في تواصلها مع الاتجاهات الأربعة! راق لي خلال الزيارة صراحة الخطاب السعودي ووضوح الرؤية مع كل من التقاه الأمير سلمان في الزيارة.

خلال لقاء الأمير بالسفراء العرب، حكى لهم بعض ما دار في لقائه المطول مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وباقي اللقاءات إلى أن وصل الحديث إلى قضايا العالم العربي. بادر الزائر السعودي السفراء بالقول «إن لم تقل الحقيقة، فلن يصدقك الناس».

تحدث الأمير عن الإرهاب، وما لحق بلاده من أضرار، وضرورة محاربة هذا الشر، والأعذار التي تبرره وتبرر التطرف. وتناول القضية الفلسطينية وقال «أصبحت كقميص عثمان، وباسمها تأتينا النكبات»، مضيفا «أزمة فلسطين لم تعالج بالعقل، ودائما ما نعطي الفرص لخصمنا»!

راق لي الحديث، لأننا نرى الأخطاء التي ترتكب دون وعي بان السياسة هي فن الممكن، وكلما تقدمنا خطوة تأخرنا عشراً. أمثالي من جيل كون إدراكه للواقع من خلال الواقع المرير للعالم العربي نفسه. فنحن جيل النتائج!

قناعتي أن الصراحة، وترتيب المصالح، أهم من العبارات المطاطة. والسياسة أخطر من أن تترك لأصحاب الشعارات! على الحكومة أن تكون حكومة! ففرق بين المعارضة والحكومة، وهنا خير مثال الطريقة التي تدار بها الأزمة الفلسطينية من قبل الفلسطينيين أنفسهم. لماذا نضيع الفرصة تلو الأخرى؟ كم من الأضرار وقعت من أجل الاتفاق على وثيقة الأسرى؟ وما فائدة اختطاف جندي إسرائيلي، إذا كانت النتيجة اجتياحاً، وقتلاً ودماراً؟

وفي حال العالم العربي، والإسلامي أيضا فان الدين أهم من أن يترك لجماعات الإسلام السياسي، حيث يهيج الناس والهدف السلطة! لماذا أقول الصراحة؟ لان الأحاديث وصلت إلى الأهم، حيث قال الأمير إن «مصلحة المسلمين في التفاهم مع دولهم، وعدم تحولهم إلى ورقة يلعب بها البعض». ولا يخفى كم باتت تلك المناطق الإسلامية الملتهبة مرتعا للتطرف، والتجييش العاطفي لإبقاء محركات الكراهية على أعلى سرعة.

ذلك الوضوح استمر إلى قول الأمير سلمان «لا نتحرك فكريا أو ثقافيا في دولة دون معرفة الحكومة المعنية، لأننا لا نقبل أن يتحرك احد في بلادنا ويحولها مسرحا». وهذا لب البلاء الذي أصبنا به، ومن خلاله غرر بشبابنا.

زيارة موسكو تأتي في سياق التحرك السعودي للانفتاح على العالم، وتفهمه أكثر، ومساعدته على فهم السعودية كذلك. والأهم أن هذا التحرك يمضي قدما في ترسيخ الصراحة والمكاشفة. فكثيرا ما كنت، وكثير من أبناء جلدتي، نتذمر من الصمت السعودي! لا مجال للمجاملات، وترك المسرح لأصحاب الشعارات التي لا تغني أو تسمن من جوع.

[email protected]