كل الطرق لا تؤدي إلى روما.. لأن برودي ليس برلسكوني..!

TT

حذر أحد مساعدي رومانو برودي بعد انفتاح باب على مكتبه الحار في قصر شيغي، من إن رئيس الوزراء يكره تكييف الهواء. لكن الزعيم الإيطالي الجديد كسر عادته، وقام بإغلاق النوافذ وفتح جهاز تكييف ليريح ضيفا أميركيا.

كان رد فعل برودي رمزا للمهمة الشاقة التي تنتظره. فهو وعلى الرغم من توجهه اليساري، يسعى حاليا إلى طمأنة إدارة بوش التي ما زالت حزينة على خسارة سيلفيو برلسكوني، موقعه السابق كرئيس للوزراء بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بسبب الدعم القوي الذي قدمه الزعيم المحافظ للولايات المتحدة في العراق.

ويسعى برودي بقوة اليوم إلى سحب القوات الإيطالية البالغ عددها 1300 جندي مقاتل من العراق، خلال الأشهر الستة المقبلة، تنفيذا لقرار كان برلسكوني قد أتخذه بدون حماس منه. لكن برودي تحرك بسرعة أيضا، كي يقول إن روما ستستمر في العمل مع واشنطن من خلال الناتو ومع الحكومة العراقية الجديدة، لتحقيق استقرار العراق من خلال وسائل غير قتالية. كذلك فإن رسالة برودي هي أن إيطاليا لن تكون متساهلة مع القضايا الأمنية.

وأرسل برودي يوم 16 يونيو الحالي وزير خارجيته ماسيمو داليما إلى واشنطن، كي يردد ذلك على وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، وكرر الفكرة التي تحدثنا حولها خلال حوارنا يوم الأربعاء الماضي.

قال برودي: يجب معالجة صراع الحضارات بمعرفة، ومن خلال التعاون إضافة إلى السياسات الأمنية.

من جانبها، قدمت رايس بعض الضمانات الى داليما، طبقا لما ذكره الدبلوماسيون، وأكدت رغبتها في الحفاظ على قوة العلاقات الأميركية الإيطالية بالرغم من تغيير الحكومة كما عبرت عن املها في قيادة خبراء التنمية الايطاليين، كما تعهدوا، لفريق اعادة اعمار اقليمي في اطار استراتيجية «التنظيف والسيطرة والتعمير» في العراق. وتجدر الاشارة الى ان الالتزام الايطالي بهذا الخصوص تحت المراجعة في الوقت الراهن. وكانت اليابان قد أعلنت في الاسبوع الماضي، انها ستسحب قواتها من العراق بعد ثلاث سنوات. وتعهدت طوكيو، مثل روما، بأنها ستقدم المزيد من المساعدات في مجالات اخرى مثل التدريب والمعونات اللوجستية.

وتؤكد تلك التحركات الواقع المتزايد الذي يشير إلى أن الولايات المتحدة تقود تحالفا منقسما. فالقوات الأميركية والبريطانية تنفذ كل المهام القتالية تقريبا، بينما يبحث باقي الشركاء عن ادوار اقل خطورة أو يرحلون. وربما يشرح ذلك زيارة الرئيس بوش لأوروبا في الأسبوع الماضي، وطلبه مزيدا من المساعدات المالية لبغداد، وأيضا ضرورة تطوير الإدارة أو زيادة تنسيق المهام غير القتالية من شركائها الذين يرغبون في القيام بدور.

وعبر برودي عن ثقته في أن تحالفه اليساري واليساري المتطرف، الذي حقق الانتصار في الانتخابات البرلمانية في شهر ابريل الماضي بفارق 24 الف صوت فقط، بدلا من مليون صوت كانت متوقعة، سيدعم جهوده للحفاظ على صوت ايطالي قوي في حلف الاطلنطي.

وأوضح برودي قائلا: «تحالفي متسع، ولكن ليس الاستثناء في الديمقراطيات الحديثة. أعمل طبقا لبرنامج انتخابي من 281 صفحة اتفقنا عليه جميعا. وكان ذلك الاتفاق واضحا بالنسبة للعراق.

وهذه هي الجولة الثانية لبرودي من قصر المصرفي الذي يعود للقرن السادس عشر في وسط روما، وهو مقر رئيس الوزراء ومسكنه، وكان يبدو مصمما على التأكيد على وجود فرصة ثانية في الحياة للايطاليين، بغض النظر عما قاله سكوت فيتسجيرالد عن الاميركيين. وبرودي رجل تبدو عليه ملامح الحكمة سواء في السلوك او المظهر، وهو يجيب عن الاسئلة بحماس وتركيز كانا غائبين في مقابلتنا السابقة قبل عامين، عندما كان رئيسا للمفوضية الاوروبية في بروكسل. وكان آنذاك مزاجيا يتسم بالتحفظ، ومشغولا بوظيفة شعر العديد من الناس انها لا تلائم مواهبه الخاصة.

وكرجل يرأس تحالفا يزدحم بالانشقاقات وأغلبيته محدودة، فإن الحفاظ على التوازن هو الاساس. وقد اظهر برودي قدرة على مواجهة هذا التحدي. ولكن ومع نهاية الحديث، في مكتبه الذي اصبح باردا بعض الشيء بعد تشغيل تكييف الهواء، بدا أن الأمر يحتاج الى اكثر من التلميحات على قلق فريق بوش بخصوص النوايا الايطالية.

* خدمة «مجموعة كتاب واشنطن بوست»:

خاص بـ«الشرق الأوسط»