اكتب، لا تكتب

TT

أحد أيام الأسبوع الماضي تلاقيت في صالون مطار بيروت مع رهط من السيدات القطريات المنقبات. وعملت ما أعلمه دائما في مثل هذه الحال، أو ما فعله عنترة العبسي طوال عمره: أغض طرفي ما بدت لي جارتي

حتى يواري جارتي مأواها!

ولا ندري أين كان يقطن عزيزنا العبسي على وجه الضبط، لكي نعرف أين كانت تقطن جارته. لكن يبدو من دليل الشعر العقاري في الجاهلية، أن عنترة كان يسكن في منطقة مشابهة لحارة طرفة بن العبد قائل:

لخولة أطلال ببرقة ثهمدِ

تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ

ولا بد أن البرقة كانت حيا فاخرا من أحياء الشعراء. فسوف يرد ذكرها عند عنترة في ما بعد في الحديث عن عبلة كما ورد في شعر طرفة على خلوة:

بين العقيق وبين بُرقة ثهمدِ

طلل لعبلة مستهل المعبدِ

غير أن البرقتين بعيدتان. واحدة في البحرين وأخرى في نجد. وفي العصر الحديث سوف يطلق اسم برقة على إحدى أراضي ليبيا، وعاصمتها بنغاري، ولكن من دون شعراء وعناترة. وفي أي حال، ففي مطار بيروت، أشحت بوجهي تأدبا، فقالت إحدى سيدات الرهط كلاما نديا عن هذه الزاوية. فتوقفت وشكرت. وقالت سيدة أخرى: «ولكن السياسة. اللعنة على السياسة. لماذا تكتب أحيانا عن السياسة». وقلت معتذرا وموضحا، أنني عندما قبلت الانتقال الى هذه الزاوية قلت لعثمان العمير: أنا كاتب سياسي ولن تجردني الصفحة الأخيرة من هذا الحق. فأجاب: ابق ما تشاء. وقالت سيدة ثالثة في الرهط ومن حولها أولادها: «يا طيب، لا يغشك العمير. لا أحد يريد أن يقرأ سياسة. منذ ولدت وأنا اقرأ عن فلسطين ومنذ ولد أبنائي وهم يقرأون عن العراق. اكتب لنا عن أسفارك. عن ذكرياتك. ووفّر علينا سياسات لبنان. لا أحد يقرأ عن سياسات لبنان».

عندما أراجع بريد «الشرق الأوسط» ألاحظ أن القراء لا يكتبون إلا تعليقا على مقال وجداني أو حادثة اجتماعية أو طرفة. وعندما التقي صديقا أو زميلا، يعيد الى ذاكرتي مقالا بقي في ذاكرته. والمقال دائما غير سياسي. ويوقعني ذلك دائما في أزمة: هل أنسى أنني كاتب عمل في الصحافة السياسية أكثر من أربعة عقود؟ عندما أراد الأستاذ إبراهيم نافع، رئيس تحرير «الأهرام» السابق، أن يهاجمني، وصفني في مقال افتتاحي على الصفحة الأولى من أم الصحف العربية بأنني كاتب «الطرائف والغرائب» في «الشرق الأوسط». شكرا. هذا ما تريدني سيدات قطر أن أكون. وسوف أحاول أن أكون عند حسن ظنهن.