نابليون وعدلي باشا.. وهذه الدوخة!

TT

أما الدوخة فهي هذه الحياة التي يتحكم فيها ويحكم الجهلاء بتفويض من الأغنياء.. أين؟ في كل مكان وزمان! ففي أحدث كتاب للعالم البريطاني دزموند موريس، وهو أبلغ علماء الحياة والحيوان، وأكبر العلماء قدرة على فهم سلوكيات الحيوان، ثم الحياة، يقول في كتابه الأخير (ملاحظات) في 350 صفحة إن نابليون هو الذي غير مسار حياة أسرته من أولها لآخرها، فقد كان جده الأكبر صانعا ناجحا واشترك في الحرب ضد نابليون فأصابته قذيفة أطارت وأطاحت بذراعه اليمنى، فكان لا بد أن يغير صناعته وألا يعتمد على ذراعيه، فانتقل إلى صناعة توزيع الصحف والكتب، ثم جاء جده فكان أول من أصدر ووزع صحيفة في المنطقة، وكان يحب القراءة فترك لحفيده دزموند موريس مكتبة ضخمة، هذه المكتبة التي ولد فيها وعاش بها وعليها، وأمتعنا وأسعدنا ولا يزال في عشرات الكتب والأفلام! ويقول أستاذنا الفيلسوف المصري عبد الرحمن بدوي إنها الصدفة.. وإنه أحد الخفراء، وألم أصاب العمود الفقري لوالده، بينما كان يسير والده في الطريق سقط منه شيء فانحنى على الأرض يلتقطه عندما انطلق مقذوف ناري لم يصب والده، لأن والده تأخر لحظات فلما انحنى، حاول أن يعتدل فاستغرق لحظات أطول.. بسبب ألم في عموده الفقري، فلم يصبه الطلق الناري من بندقية أحد الخفراء، فعاش أبوه لكي يولد أول فيلسوف مصري بعد ذلك بعشرة أشهر!

ولولا أن للصوص أخلاقيات ما ولد كاتب هذه السطور، فقد كان والدي يعمل مفتشا لزراعة عدلي باشا يكن رئيس الوزراء، ولم تكن في ذلك الوقت بنوك في الأقاليم ولو كانت لذهب والدي وأودع فيها ألوف الجنيهات في حساب دولة الباشا.. ولذلك كان لا بد أن يحمل الفلوس على حصان إلى قطار السكة الحديد من الصعيد إلى القاهرة، ففي إحدى الليالي وأمام كل الناس خرج والدي على حصانه ووراءه اثنان من الحراس كل على حماره، ووسط حقول القصب في ليلة مقمرة اتجه والدي يحمل فلوس الباشا، وعندما مر والدي فوق أحد الجسور أطلق حصانه صوتا من أنفه، وهذا الصوت معناه أن الحصان قد رأى أحداً.. فما كان من والدي إلا أن قال: سلام عليكم ـ وهو لا يرى أحدا. فرد عليه اللص قائلا: وعليكم السلام! ولم يطلق الرصاص على والدي لأن من أخلاقيات اللصوص وأبناء الليل أنه إذا أعطاك الأمان فلن يخونك.. فوالدي ألقى عليه السلام ورد عليه اللص بأنه قد وافق على هذه التحية بأحسن منها.

وقتلوا اللص وعاش والدي.. وأنا من بعده!