حيث يلتقي الشرق بالغرب

TT

ينجلي اختلاط الشرق بالغرب والمسيحية بالاسلام في أقوى صوره في البلقان. وتعطي البانيا مثالاً جيداً لما أقول. ففي شارع سمورت اكمبرة في العاصمة تيرانا تلاحظ عند المساء زرافات الرجال يتمشون شمالاً فجنوباً ثم جنوباً فشمالاً يتحدثون عن النساء ويحلمون بالوصل، وتلاحظ على الجانب الآخر زرافات من النساء يقطعن نفس المشوار ويتحدثن فيما بينهن عن الرجال ويحلمن بالزواج.

ترى ذلك فتدرك انك في مجتمع يعيش بقيم الشرق والاسلام. تدقق في الفتيات، فلا ترى بينهن واحدة محجبة. وأغلبهن قد كشفن عن بطونهن وظهورهن وصدورهن وأفخاذهن تحت تنورات المني جوب. تتذكر عندئذ أنك في اوروبا وهذه دولة تحاول ان تقنع الاتحاد الاوروبي بتأهلها لعضويته. تساهم الفتيات بدعم الطلب بالكشف عن بطونهن وسيقانهن. نحن اوروبيات. تخدمك واحدة منهن في المقهى. تضع لك فنجان القهوة التركية شكرلي مضبوط فترى الصليب متدلياً على صدرها.

تسألها عن اسمها فتجيبك بابتسامة بلقانية عذبة، عايشة بنت حاج علي. تعيد السؤال عليها لتتأكد. تعطيك نفس الجواب. انها مسلمة ولكن هذا بلد علماني. والصليب موضة الموسم. لا علاقة له عندها بالمسيح أو المسيحية أو الدين أو الإيمان بالله.

تحاورها فتكتشف ان عائلتها سبقت حسن الترابي باكثر من قرن، فجدتها كانت مسلمة ولكنها تزوجت مسيحياً ارثذوكسياً ثم ربت اولاده على دين محمد كثمن لعقد زواجها في الكنيسة.

تعود بك تيرانا للشرق عندما تعبر جسر نهر لافا فيلاحقك الشحاذون من كل حدب وصوب، يطالبونك بعبرية الجسر. آلمني طفل في نحو الرابعة تعب من الشحاذة فاستلقى على جريدة واستغرق في النوم. بدت على وجهه معالم ابتسامة. قلت لنفسي ربما كان يحلم بالعثور على يورو. مددت يدي في جيبي واخرجت قطعة يورو. وضعتها بجانبه. قلت انه عندما سيستفيق سيؤمن طيلة حياته بحقيقة الاحلام. بيد ان ابني نايل التقط القطعة قائلاً، لا فائدة من وضعها بجانبه. سيأتي شحاذ آخر ويسرقها منه. فالشحاذون الالبان مثل بعض المسؤولين العرب يسرقون بعضهم البعض.

مسكين ذلك الطفل الشحاذ. سيقضي حياته وهو يدرك ان الاحلام اوهام والفلوس لا تأتيك وانت نائم على جريدة من الجرائد.